لم تعد السياحة في العالم تقتصر على زيارة الأماكن الأثرية والتقاط الصور التذكارية، بل تحوّلت إلى تجربة حية يتفاعل فيها الزائر مع المجتمع المحلي، ويتعرف على ثقافته من الداخل، ويعيش جزءًا من تفاصيله اليومية هذا ما يُعرف اليوم بـ"السياحة التفاعلية"، والتي بدأت تلقى رواجًا متزايدًا في الأردن.
الأردن، بثرائه الحضاري وتنوّع بيئاته، يشكّل أرضًا خصبة لهذا النوع من السياحة فبدلًا من أن يكون السائح مجرد متفرّج على المواقع التاريخية مثل البتراء أو جرش أو وادي رم، أصبح بإمكانه أن يشارك في صنع الخبز على الصاج في بيوت الكرك، أو تعلم الحياكة من سيدات مادبا، أو المشاركة في رحلات الرعي مع بدو الجنوب، أو حتى زراعة الأعشاب الطبية في سفوح عجلون.
هذا النوع من التفاعل لا يثري تجربة الزائر فقط، بل ينعكس بشكل مباشر على المجتمع المحلي، إذ يمنح السكان دخلًا إضافيًا، ويعزز شعورهم بالفخر بثقافتهم وتقاليدهم، ويحفّزهم على الحفاظ عليها من الاندثار كما أنه يسهم في دعم السياحة المستدامة، ويعيد توزيع عوائد السياحة من المدن الكبرى إلى القرى والمناطق النائية.
السياحة التفاعلية أيضًا وسيلة لتعزيز التبادل الثقافي الحقيقي، إذ لا تكتفي بنقل الصور النمطية، بل تفتح المجال للحوار، وتكسر الحواجز بين الشعوب والسائح الذي يشارك في طقوس القهوة العربية، أو يسمع القصص الشعبية من فم راوي بدوي، سيحمل معه صورة إنسانية أعمق عن الأردن وشعبه، تختلف تمامًا عن التجربة السطحية المعتادة.
و لإنجاح هذا النمط السياحي، لا بد من دعم مبادرات المجتمع المحلي، وتدريب أصحاب البيوت والمشاريع الريفية على استقبال الزوار، والتسويق لهذه التجارب بطريقة مبتكرة، فالأردن لا يقدّم مجرد وجهات، بل تجارب تنبض بالحياة وعلى الزائر أن يكون جزءًا منها، لا مجرد عابر طريق.