في أعماق البياض السرمدي حيث لا يُسمع سوى صوت الرياح الباردة وهمسات الثلج يعيش مخلوق عظيم الجمال والقوة يتجول بهدوء فوق الجليد وكأنه ملكٌ مُتوَّج على عرش الطبيعة القطبية إنها الدببة القطبية؛ كائنات مذهلة تجمع بين الرقة في مظهرها الأبيض النقي والهيبة في قوتها وقدرتها على البقاء في أقسى بيئةٍ على وجه الأرض يأخذنا هذا التقرير في رحلة شيقة إلى عالمها لنتعرّف على أسرار حياتها، وطرق تكيفها والمخاطر التي تهدد وجودها.

تُعَدّ الدببة القطبية من أضخم الحيوانات المفترسة التي تعيش على سطح الأرض وهي من أكثر الحيوانات تكيفًا مع البيئة القطبية القاسية يعيش هذا النوع من الدببة في المناطق المتجمدة شمال الكرة الأرضية وتتميز بفرائها الأبيض الكثيف الذي يساعدها على الاندماج مع الجليد مما يجعلها صيادًا ماهرًا في تلك البيئة.

تعيش الدببة القطبية في المناطق القطبية الشمالية وتحديدًا في القطب الشمالي وما حوله مثل: ألاسكا وكندا وغرينلاند وشمال روسيا وجزر النرويج مثل سفالبارد، تعتمد هذه الحيوانات على وجود الجليد البحري للصيد والتنقل من مكانٍ إلى آخر ومع ذوبان الجليد بسبب تغير المناخ أصبحت تواجه صعوبات كبيرة في التنقل والبحث عن الطعام.

أما عن الصفات الجسدية ووسائل التكيف فإن الدببة القطبية تمتلك أجسامًا ضخمة مغطاة بطبقة سميكة من الفرو الأبيض الذي يساعدها على التمويه بين الثلوج والجليد تحت الفرو توجد طبقة سميكة من الدهون تحفظ حرارة جسمها في درجات التجمد الشديدة يبلغ وزن الذكر البالغ منها حوالي 400 إلى 700 كيلوجرام، وأحيانًا أكثر بينما تكون الأنثى أصغر حجمًا وتتميز بأرجلها القوية ومخالبها الحادة التي تساعدها على المشي فوق الجليد دون الانزلاق كما أنها سبّاحة بارعة تستطيع السباحة لمسافات طويلة جدًا دون توقف.

وتُعد الدببة القطبية حيوانات لاحمة وتعتمد بشكل رئيس في غذائها على صيد الفقمات خصوصًا تلك التي تعيش تحت الجليد إذ تنتظرها قرب فتحات التنفس لتنقضّ عليها كما قد تأكل الأسماك وجثث الحيتان أو غيرها من الحيوانات إن

وُجدت وبسبب ندرة الطعام في البيئة القطبية يمكن للدب أن يبقى أيامًا عديدة دون طعام ويعتمد خلال هذه الفترة على الدهون المخزنة في جسده.

أما عن دورة الحياة والتكاثر فتتزاوج الدببة القطبية في فصل الربيع وتقوم الأنثى بحفر كهفٍ ثلجي خاص بها في بداية الشتاء لتضع صغارها وعادةً ما تلد صغيرًا أو اثنين، وتظل ترعى صغارها طوال فصل الشتاء وحتى بداية الربيع حيث تبدأ بتعليمهم الصيد والبقاء على قيد الحياة في البيئة القاسية وتبقى الصغار مع أمهم لمدة قد تصل إلى سنتين أو أكثر قبل أن ينفصلوا عنها ويبدؤوا حياتهم المستقلة.

لكن المؤكد أن الدببة القطبية تواجه تهديدات كبيرة في العصر الحالي أبرزها الاحتباس الحراري الذي يؤدي إلى ذوبان الجليد القطبي مما يجعل من الصعب عليها الصيد والبقاء كما أن التلوث البيئي ووجود مواد كيميائية في مياه البحر يؤثران على صحتها وتكاثرها ورغم القوانين الدولية التي تمنع صيدها لا تزال بعض المجتمعات تصطادها لأسبابٍ تجارية أو تقليدية.

الدببة القطبية مخلوقات رائعة تمثل رمزًا للقوة والتكيف مع أقسى الظروف المناخية لكنها أصبحت اليوم مهددة بسبب تدخل الإنسان في البيئة الطبيعية والحفاظ على كوكبنا من التلوث والاحتباس الحراري هو السبيل الوحيد لحماية هذه الكائنات الجميلة من الانقراض وضمان استمرار توازن الحياة على الأرض.