في الأونة الأخيرة أصبح العمل التطوعي حاضرًا بقوة على منصات التواصل الإجتماعي كصور توثّق توزيع الطعام وفيديوهات لمبادرات النظافة ولقطات لعائلات تتلقى المساعدات وغيرها، ورغم أن هذه المشاهد قد تُلهِم البعض للإنضمام إلى العمل الخيري إلا أن سؤالًا ملحًّا بدأ يطرح نفسه: هل فقد العمل التطوعي جوهره بسبب السوشال ميديا؟
العمل التطوعي هو فعل نابع من الإحساس بالمسؤولية تجاه الآخر والرغبة في تقديم العون دون انتظار مقابل، لكن حين يتحوّل هذا الفعل الإنساني إلى محتوى رقمي يُقاس بعدد الإعجابات والمشاهدات، يبدأ المعنى الحقيقي في التآكل فالبعض لا يتطوّع لأجل المساعدة بل لأجل الصورة.
التصوير أثناء العمل التطوعي قد يُشعر بعض المستفيدين بالإحراج أو الاستغلال خصوصًا في الحالات التي تُظهر ملامح المحتاجين أو ظروفهم الصعبة، وقد يتحوّل الأمر إلى استعراض شخصي أكثر من كونه رسالة إنسانية مما يفقد الفعل التطوعي نقاءه وأثره العاطفي.
لكن في المقابل لا يمكن إنكار أن التوثيق قد يكون له جانب إيجاب، مثل نشر الوعي وجذب الداعمين وتشجيع الآخرين على المشاركة، والفارق هنا يكمن في النية والأسلوب: هل التوثيق يتم بإحترام وخصوصية؟ هل الهدف منه توعية المجتمع أم بناء صورة إجتماعية للمتطوّع؟
ربما حان الوقت لإعادة التفكير: ماذا لو جرّبنا "التطوع الصامت" حيث يُنجز المتطوّع عمله بصمت دون كاميرا ودون مشاركة رقمية؟ ماذا لو أصبح العطاء مكافأة بحد ذاته دون جمهور؟
العمل التطوعي لا يحتاج إلى عدسة ليثبت وجوده فقيمته الحقيقية تُقاس بما يتركه في القلوب لا بما يُنشر في الحسابات، وفي زمن التوثيق المفرط قد يكون أجمل ما نقدّمه هو عملٌ نبيل لا تراه العيونزبل ينعكس في أثره على الآخرين.