أنا أحمد عمري بالأوراق
الرسمية ١٢ سنة، لكن عمري بالحرب الكثير من الشظايا والصواريخ واشلاء أمي ويد أختي
الصغرى والنزوح.
إنها غزة عمري في
الأوراق لا يعني شيئًا؛ هنا تقاس أعمارنا على أوجاعنا وصدماتنا، نحن لم نعد نحتمل.
بدأت الحرب فجلسنا
جميعا إلى شاشات التلفاز واعيننا براقة بالأمل، ننظر وكأن النصر يتسابق إلينا كل
أفراد العائلة فخورين بجيشنا المقاوم ودفاعنا عن أرضنا وشرفنا وصيحات تخرج من كل
مكان بفخرٍو اعتزاز بجيشنا الجبار الذي اذاق جيش الاحتلال أمر أنواع الذل
والاهانة، بل جعل منه مهزلة للعالم كافة، لكن هذا الفرح سرعان ما انقلب إلى حزن
شديد انقلب إلى ألمٍ لا ينتهي ولا أعرف متى ينتهي، كان عمري ١٢ سنة قبل الحرب
والأن لا تسألني عن عمري، أنا لست طفل ولا شيخٍ طاعن، أنا لا أدري ما عمري؛ كل ما
أعرفه هو الألم والحزن والفقد.
بدأت التهديدات تتساقط
على رؤوسنا ووعيد من الجيش بحرب قاسية، انقلبت غزة إلى دمار؛ ما عدنا نسمع سوى صوت
سقوط صاروخ على منزل فلان ومات أفراد الأسرة، جلسنا في منازلنا ننتظر دورنا فقط
فكلنا مشروع شهيد، أمي تخبرني أن كل شيء على ما يرام وأن الوضع سيتحسن، أما أبي
فيخبرني عن أصحابه الشهداء في حروبٍ سابقة وكم أن الشهادة شيء عظيم كأنه يريد أن
يجهزني للشهادة وأعيش أخر أيامنا أو ساعتنا بطمأنينة.
بعد مضي ٥ أيام مروعة
على الحرب، كنا نجلس كعادتنا في غرفة واحدة كي نموت معا أو ننجو معا، كان كل منا
ينظر إلى الأخر ويودعه حتى لا نشتاق.
بعد منتصف الليل استيقظت على صوت الناس وهم يهتفون (في
واحد عايش هون هيو كامل طلعوه جسمه كامل) كانت هذه الكلمات صدمة لنفسي شعرت وان
قلبي يسقط في رئتي من الخوف لكن جسمي الضعيف لم يقوى على الاستيقاظ إلا في
المستشفى. 
نظرة الرهبة في عيوني وجسمي قاتم مغبر، قمت من السرير
واخذت أبحث عن أهلي أنادي أمي.. أبي.. سالي.. جاء أحد المتطوعين واخذني بذراعيه
وأصبح يخبرني بكلام لتهدئتي لكني لم أحاول حتى أن أفهم ما يقول، أريد أن أعرف ماذا
حصل فقط؛ كان أبي على ناقلة للمرضى لكنه مات؛ أبي استشهد وأمي وأختي في حقيبة
صغيرة ؛ كيف لكل هذا الحنان والأمان أن يكون في حقيبة صغيرة.
لقد كبرت، أنا لست طفلاً اليوم لا ادري ما أنا، أنا بلا
أسرة ولا منزل أنا مجرد نازح يتيم اتنقل مع الناس وانتظر استشهادي لألتحق بأهلي
واعيش بسلام بعالم يتسع لناس مثلي يحبون الوطن ويحبون السلام.
خرجنا للنزوح من حينا الى منطقة أخرى من القطاع كنت مع
اناس لا أعرفهم ولا يعرفونني، كل منا يحمل الالم و ينزح من مكان إلى أخر وكأن
عقولنا مغيبة عن المنطق وأبت أن تفهم الواقع، الأن نحن نجوع ونعطش ونمرض ونبرد بلا
مقومات تسندنا، أنا الطفل المدلل كنت عندما اشتهي شيئاً يأتي أبي من العمل حاملا
معه ما أريد وأكل حتى اشبع لم اشعر بالجوع يوماً؛ لكنني الان جائع عن كل الايام
التي مضت  
بعد كل هذه المعاناة والحرب التي لا أعلم متى ستتوقف، إذ
بطائرات القوات المسلحة الأردنية تطير بالأجواء و تزودنا بالمساعدات، يااه، لم أرى
السرور على أهل غزة من فترة اليوم الجميع خرج يهتف للمساعدات، أخيرا حضر
الأكل. 
شكرا يا أهل الأردن على تقديم ما استطعتم لمساعدتنا.