قال لي أحد اصدقائي منذ زمن طويل عمّا قد يحصل في المستقبل، فكانت الأيام بطيئة وفارغة فملأت قراءة وكتابة القصص حياتنا.
كان يوم مثل أي يوم نذهب إلى الجامعة وعادة نتقابل هناك، فالمواضيع عن هذا وذاك تأخذ حديثنا، إلى أنه في يوم من الأيام وجدته بساعة متأخره من الليل يجلس وَحْدَهُ في المكتبة مع ضوء خافت فقط لينير مكانه، وجدته يكتب شيئا في احدى مذكراته:
- مالذي تفعله هنا يا نجد.
نجد: اكتب.
_ تكتب؟ بهذه الساعة المتأخرة.
نجد: قصه.
_ قصه؟ فلتذهب إلى النوم لما لا تكملها غدا.
نجد: لن.. لن يسع لي ذلك.
_ لما وما قد يمنعك؟
نجد: لا اعلم لكن ما اعلمه انه عليّ الانتهاء منها الآن وليس بوقت آخر.
_ فلتدع القلم يجف، لو كان لدى الأسطر لسان لكانت تذمرت منك.
نجد: لو كان لها لسان لما اعتمد الناس عليها لحفظ اسرارهم.
_ فليكن ذلك و ذاك، فلتذهب الى النوم لا تتأخر.
نجد: انتظر.. أن حصل شيء لي لا تدع هذا الكتاب بمتناول الاخرين.
_ وما قد يحصل يا نجد؟ لا أظن هنالك شيء بذلك السوء.
نجد: عدني.
_ ما قد يحصل
نجد: عدني.
_ ماذا.. حسنا أغدك.
نجد: أشكرك.
_ لا بأس، لكن عليك ان تخبرني أن حصل شيء. حسنا؟
نجد: ما عليك.
مرت الأيام و السنين على محادثتنا تلك، وإلى هذا اليوم ألوم نفسي على موته.. أتذكر كل شيء بدقة تامة وكأن ذلك قد حصل بالأمس.
في وقت مبكر جدا، سمعت ذبذبات سيارة الشرطة وهي تعلن قدومها... لم يخطر ببالي انه يمكن ان يكون شيء ما قد حصل لنجد إلى حين سمعت أحد يطرق على باب منزلي.. قدمت الى باب المنزل وبتلك اللحظة بدأ ضميري بالصراخ وجسدي يتعرق شعرت كأن شيء لم يكن و ملأت الأفكار رأسي: بماذا، لو وما قد.
رأسي بدأ بالصداع الشديد وبدت حياتي كأنها لعبة بين ايدي احدهم.. لم اخرج من حادثة الهلع هذه إلى حين ما طرق بابي مجددًا.
شرطي: هل هناك احد فالمنزل؟ بدأ الشرطي يسأل، عقلي لم يرد الاستجابة لكن جسدي تحرك من تلقاء نفسه. هلم لساني بالإجابة كأنه طفل نادت عليه والدته.
_ نعم.
شرطي: هل تأذن لي بالدخول؟
_ نعم بالطبع تفضل.
شرطي: أولا لأعرف عن نفسي اسمي بحر وانأ محقق جنائي، قدمت لك بهذا الصباح الباكر لاحدثك عن شيء. فلنجلس لانها قصة طويلة.
_ حسنا لا بأس بذلك، ماهي المشكلة؟
بحر: نجد صديقك صحيح؟
_ نعم.
بحر: لقد وجد ميتا على فراشه.
_ ماذا؟ نجد ميت؟
بحر: اعتذر عن القدوم بهذه الأخبار.
_ نجد. قتل؟
بحر: بل انتحر.
_ انتحر؟ لم.. لم انتحر.
بحر: أتيت هنا بحثا عن الإجابات.
عندما اخبرني المحقق ان نجد قام بإنهاء حياته علمت ان هنالك شيء لم يذكر فنجد لم يكن بتلك الجراءة، على أن ينهي نفسه وحياته.
بعد الأسئلة المتكررة والاستيعاب تذكرت مذكراته، هل يمكن ان يكون ذلك ما حصل هل يمكن ان يكون ما كان يكتبه سبب في مقتل نفسه؟ تكررت الأسئلة، تكررت، و تكررت، ملأت رأسي بالصداع وبدأ جسدي بالتوقف. علمت حين وقفت ان كل ذلك لم يكن سوى برأسي. نجدها هو يجلس أمامي وكتابه المعتاد بيده هل كنت احلم ام اهلوس... نظرت إليه نظرة مشتاق إلى أن رسم ابتسامة خبيثة على وجهه وها هو يقول:
نجد: هل احببت ذلك؟
_ ماذا؟
نجد: رحلتك الصغيرة الى العالم الأخر.
_ رحلة؟ ماذا تقول يا نجد، انا.
نجد: لما لا تستريح. سبق وان قلت لك انت لا تعيش سوى بمخيلاتك.. اخبرتك مقدما  سابقا بأن لا تعبث بكتبي.
_ لا افهم ماذا تقول، بمخيلاتي؟
نجد: رويت لك الأحداث من قبل، لن ارويها مجددًا.
_ الم.. تمت؟
نجد: أمت؟ هذا مضحك كنت هنا طيلة الوقت، لما تحرك من مكاني.
_ كيف.
نجد: أتخيل انك تجد صعوبة بالفهم، أخبزتك منذ زمن طويل اني سأريك الواقع المر، أن خلفت وعدك.
_ الم تقل.
نجد: المستقبل؟ ليس هناك من يستطيع.
بات ذلك اليوم يعاد ويعاد بذهني، لم استطع الهرب ممّا ما قد حدث.. موت نجد اشعرني بالصداع، لكن ما قيل لي قتلني من الداخل.
هل مرت السنين بالفعل أم تلك قصة يرويها لي أيضا؟ هل بالفعل قدم وقتا قد مات فيه أم لا؟ ماذا يقصد... لم اعد اصدق عقلي بعد تلك الحادثة، لم أعد اصدق نفسي..
لقد قلت وبالفعل عشت سنوات كثيرة من بعد مماته.. من أنا و من هو، من نكون وما التفسير لما حصل، كنت أروى قصة للقراء، ولكن أنا الآن أحاول فهم موضعي منها. و كتاب نجد، نسيته بالكامل فأنا بالسنوات التي قد مرت تأكدت أنه قد تلف... لم امسه قط، فقط مره واحده وانا لم اقرأ سوى البداية.. و لم تكن شيئا ذو أهمية، لكن كانت غريبة.
نجد: لا تخف، ما حصل كان فقط من خيال فكرك. أنها قصة جيده للقارئين، أليس كذلك؟
_ لم يكن هذا الطريق الذي يجب ان تسلكه.
نجد: لم يكن عليك فقدان كتابي، أو قراءته.
نجد: فلتنم للصباح ستعود حياتك الى حالها.
_ لا اعلم كيف تتوقع مني النوم.
نجد: استلقي، النعاس سيغلبك.
_ تبدو واثقا.
نجد: لأني كذلك. أنسى ما رأيت وانسى ما قرأت. فلتدع السطور تجف والذكريات تُمحى. ليس هنالك خير لك بهاذا وليس هنالك شر لي.
النهاية