و لكن كيف يمكنك ان تعيش وانت لا تمتلك قصص لترويها) _ دوستويفسكي).
قال لي أحد اصدقائي منذ زمن طويل عمّا قد يحصل في المستقبل, فكانت الايام بطيئة و فارغة فملأت قراءة و كتابة القصص حياتنا.
كان يوم مثل أي يوم نذهب إلى الجامعة و عادة نتقابل هناك, فالمواضيع عن هذا و ذاك تأخذ حديثنا، إلى أنه في يوم من الايام وجدته بساعة متاخرة من الليل يجلس لوحده في المكتبة مع ضوء خافت فقط لينير مكانه, وجدته يكتب شيئا في احدى مذكراته:
- مالذي تفعله هنا يا نجد.
نجد: اكتب.
_ تكتب؟ بهذه الساعة المتأخره.
نجد: قصه.
_ قصه؟ فلتذهب إلى النوم لما لا تكملها غدا.
نجد: لن.. لن يسع لي ذلك.
_ لما و ما قد يمنعك؟
نجد: لا اعلم لكن ما اعلمه انه عليّ الانتهاء منها الان و ليس بوقت آخر.
_ فلتدع القلم يجف, لو كان لدى الأسطر لسان لكانت تذمرت منك.
نجد: لو كان لها لسان لما اعتمد الناس عليها لحفظ اسرارهم.
_ فليكن ذلك و ذاك, فلتذهب الى النوم لا تتأخر.
نجد: انتظر.. ان حصل شيء لي لا تدع هذا الكتاب بمتناول الاخرين.
_ و ما قد يحصل يا نجد؟ لا اظن هنالك شيء بذلك السوء.
نجد: عدني.
_ ما قد يحصل
نجد: عدني.
_ ماذا.. حسنا اعدك.
نجد: اشكرك.
_ لا بأس, لكن عليك ان تخبرني ان حصل شيء. حسنا؟
نجد: ما عليك.
مرت الايام و السنين على محادثتنا تلك, و إلى هذا اليوم ألوم نفسي على موته.. اتذكر كل شيء بدقة تامة وكأن ذلك قد حصل بالأمس.
في وقت مبكر جدا, سمعت ذبذبات سيارة الشرطة وهي تعلن قدومها... لم يخطر ببالي انه يمكن ان يكون شيء ما قد حصل لنجد إلى حين سمعت أحد يطرق على باب منزلي.. قدمت الى باب المنزل و بتلك اللحظة بدأ ضميري بالصراخ و جسدي يتعرق شعرت كأن شيء لم يكن و ملأت الافكار رأسي: بماذا، لو، و ما قد.
رأسي بدأ بالصداع الشديد و بدت حياتي كأنها لعبة بين ايدي احدهم.. لم اخرج من حادثة الهلع هذه الي حين ما طرق بابي مجددًا.
شرطي: هل هناك احد فالمنزل؟ بدأ الشرطي يسأل, عقلي لم يرد الاستجابة لكن جسدي تحرك من تلقاء نفسه. هلم لساني بالاجابة كأنه طفل نادت عليه والدته.
_ نعم.
شرطي: هل تأذن لي بالدخول؟
_ نعم بالطبع تفضل.
شرطي: اولا لأعرف عن نفسي اسمي بحر و انا محقق جنائي، قدمت لك بهذا الصباح الباكر لاحدثك عن شيء. فلنجلس لانها قصة طويلة.
_ حسنا لا بأس بذلك، ماهي المشكلة؟
بحر: نجد صديقك صحيح؟
_ نعم.
بحر: لقد وجد ميتا على فراشه.
_ ماذا؟ نجد ميت؟
بحر: اعتذر عن القدوم بهذه الاخبار.
_ نجد. قتل؟
بحر: بل انتحر.
_ انتحر؟ لم.. لم انتحر.
بحر: أتيت هنا بحثا عن الإجابات.
عندما اخبرني المحقق ان نجد قام بإنهاء حياته علمت ان هنالك شيء لم يذكر فنجد لم يكن بتلك الجراءة، على أن ينهي نفسه و حياته.
بعد الأسئلة المتكررة و الاستيعاب تذكرت مذكراته، هل يمكن ان يكون ذلك ما حصل هل يمكن ان يكون ما كان يكتبه سبب في مقتل نفسه؟ تكررت الاسئلة, تكررت, و تكررت, ملأت رأسي بالصداع و بدأ جسدي بالتوقف. علمت حين وقفت ان كل ذلك لم يكن سوى برأسي. نجد, ها هو يجلس امامي و كتابه المعتاد بيده هل كنت احلم ام اهلوس... نظرت إليه نظرة مشتاق إلى أن رسم ابتسامة خبيثة على وجهه و ها هو يقول:
نجد: هل احببت ذلك؟
_ ماذا؟
نجد: رحلتك الصغيرة الى العالم الاخر.
_ رحلة؟ ماذا تقول يا نجد, انا.
نجد: لما لا تستريح. سبق و ان قلت لك انت لا تعيش سوى بمخيلاتك.. اخبرتك مقدما و سابقا بأن لا تعبث بكتبي.
_ لا افهم ماذا تقول, بمخيلاتي؟
نجد: رويت لك الاحداث من قبل , لن ارويها مجددًا.
_ الم.. تمت؟
نجد: أمت؟ هذا مضحك كنت هنا طيلة الوقت, لم اتحرك من مكاني.
_ كيف.
نجد: اتخيل انك تجد صعوبة بالفهم, اخبرتك منذ زمن طويل اني سأريك الواقع المر, ان خلفت وعدك.
_ الم تقل.
نجد: المستقبل؟ ليس هناك من يستطيع.
بات ذلك اليوم يعاد و يعاد بذهني, لم استطع الهرب ممّا ما قد حدث.. موت نجد اشعرني بالصداع, لكن ما قيل لي قتلني من الداخل.
هل مرت السنين بالفعل ام تلك قصة يرويها لي ايضا؟ هل بالفعل قدم وقتا قد مات فيه أم لا؟ ماذا يقصد... لم اعد اصدق عقلي بعد تلك الحادثة, لم أعد اصدق نفسي..
لقد قلت و بالفعل عشت سنوات كثيرة من بعد مماته.. من أنا و من هو, من نكون و ما التفسير لما حصل، كنت أروى قصة للقراء, ولكن انا الآن احاول فهم موضعي منها. و كتاب نجد, نسيته بالكامل فأنا بالسنوات التي قد مرت تأكدت أنه قد تلف... لم امسه قط, فقط مره واحده و انا لم اقرأ سوى البداية.. و لم تكن شيئا ذو أهمية, لكن كانت غريبة.
نجد: لا تخف, ما حصل كان فقط من خيال فكرك. انها قصة جيده للقارئين, أليس كذلك؟
_ لم يكن هذا الطريق الذي يجب ان تسلكه.
نجد: لم يكن عليك فقدان كتابي, أو قراءته.
نجد: فلتنم للصباح ستعود حياتك الى حالها.
_ لا اعلم كيف تتوقع مني النوم.
نجد: استلقي, النعاس سيغلبك.
_ تبدو واثقا.
نجد: لاني كذلك. انسى ما رأيت و انسى ما قرأت. فلتدع السطور تجف والذكريات تُمحى. ليس هنالك خير لك بهاذا و ليس هنالك شر لي.
النهاية