في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة، باتت مسؤولية الأبوين أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، فبين ضغوط العمل، وتحديات التكنولوجيا، ووسائل التواصل الاجتماعي، يواجه الآباء والأمهات معارك يومية في سبيل الحفاظ على توازن حياتهم الأسرية وتربية أبنائهم تربية صالحة ومتكاملة.
قديماً، كانت التربية تعتمد على بساطة الحياة، والانضباط التقليدي، والمراقبة اليومية من قبل الأسرة الممتدة، ولكن اليوم تغير المشهد تماماً، لم تعد المسؤوليات تقتصر على توفير الغذاء والتعليم فقط، بل توسعت لتشمل الدعم النفسي، والمرافقة العاطفية، والحوار الدائم، والمواكبة التكنولوجية، فضلاً عن ضرورة التوفيق بين الحرية والانضباط، وبين التفهّم والحزم.
ويؤكد المختصون في شؤون الأسرة أن تربية الأطفال اليوم تحتاج إلى ذكاء عاطفي ومهارات تواصل فعالة، حيث تقول الأخصائية الاجتماعية روان الزعبي "لم تعد السلطة الأبوية وحدها كافية، بل يجب أن يكون الوالدان مصدر أمان نفسي، وقدوة حسنة، ومرافقًا دائمًا في رحلة الطفل نحو الاستقلال والمسؤولية".
وتضيف "إن لغة العقاب وحدها لم تعد فعالة، بل بات من الضروري استخدام أساليب جديدة مثل التعزيز الإيجابي، والنقاش، واحترام مشاعر الطفل مهما كانت بسيطة في نظر الكبار".
أما من الناحية التكنولوجية، فقد أصبحت الأجهزة الذكية وتطبيقات التواصل تمثل تهديداً صامتاً لوظائف الأسرة التربوية، إذ يستغرق الأطفال والمراهقون ساعات طويلة أمام الشاشات، مما يقلل فرص التفاعل العائلي ويزيد من الفجوة بين الآباء وأبنائهم، وهنا تبرز الحاجة إلى وجود قوانين منزلية واضحة، تحدد أوقات استخدام التكنولوجيا، دون أن تحرم الأبناء من حقهم في التعلم والترفيه الرقمي.
وفي هذا الإطار، تطلق المؤسسات التربوية والاجتماعية برامج متعددة لدعم الأهل، عبر ورشات تدريبية، واستشارات نفسية، ومبادرات تعزز التربية الواعية، وتسهم في رفع وعي الوالدين بأدوارهم التربوية الحديثة.
إن التربية ليست مجرّد أدوار بيولوجية، بل هي التزام أخلاقي طويل الأمد يتطلب صبرًا وتعلمًا مستمرًا، وتطورًا في الأساليب، وانفتاحًا على التغيير، هي مسؤولية تُبنى كل يوم، بالكلمة الطيبة،
والاحتضان، والقدوة، والقدرة على الإصغاء لما يقوله الأبناء، وما لا يقولونه.