في عصرٍ لم تعد فيه التكنولوجيا مجرد أداة، بل باتت أشبه بكائنٍ يشاركنا الفهم والتفكير، يقف العالم أمام سؤالٍ جوهري: ماذا يعني أن تحاكي الآلة الإنسان؟
بدأت الرحلة بخطٍ بسيط من الأكواد: عمليات حسابية وأوامر منطقية ومهام مكررة، لكن اليوم أصبحت الآلات تتعلم وتتطور وتُحلل المعطيات كما يفعل الإنسان وربما بطريقة أسرع، لم يعد الذكاء الاصطناعي يقتصر على تقليد ما نقوم به بل بات يحاول فهم الطريقة التي نفكر بها.
من كتابة الشعر والترجمة إلى التشخيص الطبي، دخلت الآلة مجالاتٍ كانت يومًا حكرًا على العقل البشري، ومع ذلك فهي حتى الآن تحاكي دون أن تعي، والسؤال هنا: هل يكفي التقليد؟ وهل تُصبح الآلة مثل الإنسان بمجرد أن تتصرف مثله؟
في روبوت خدمة العملاء أو المساعد الذكي، نجد أصواتًا دافئة وردودًا تبدو إنسانية وحتى تعاطفًا لحظيًا، لكن هل "تشعر" الآلة فعلًا؟ العاطفة الحقيقية ليست مجرد تعبيرات صوتية أو نصية إنها تجربة ذاتية معقدة: الخوف، الحنين، الحب، الندم… كل هذه المشاعر تنبع من تجارب حقيقية وذاكرة حية ووعي ذاتي، أما الآلة فتحاكي ببراعة، لكنها تفتقد القلب الذي يرتجف والذاكرة التي تنزف.
فهل يكفي أن "تمثّل" الآلة العاطفة لتُقنعنا بأنها تشعر؟
اليوم نشهد أنظمة تُبدع لوحاتٍ فنية وتؤلف الموسيقى وتكتب القصص والشعر، لكن السؤال الذي لا يزال يشغلنا: هل هذا إبداع حقيقي أم مجرد إعادة تركيب ذكي للبيانات؟ الإبداع البشري ينبع من التجربة الشخصية، من الألم والفرح، من رغبةٍ عميقة في التعبير، أما ما تنتجه الآلة فهو انعكاس لبرمجياتٍ مدروسة، لا روح فيها.
فهل ما تصنعه الآلة يمكن تسميته فنًا؟ أم أننا فقط منبهرون بقدرتها على تقليد الفن دون أن تعيشه؟
ثم نصل إلى الجانب الأخلاقي: ماذا لو قتلت سيارة ذاتية القيادة إنسانًا؟ من يتحمل المسؤولية؟ وماذا عن روبوتات الشرطة أو أنظمة الحرب الذكية؟ هل يجوز أن نمنح الآلة الحق في اتخاذ قراراتٍ أخلاقية؟
هنا يظهر التحدي الأكبر: عندما تحاكي الآلة المنطق دون أن تحمل الضمير، الآلة تعمل وفق خوارزميات لا تعرف القيم ولا معنى الندم، والسؤال الذي يُطرح الآن: هل يمكن برمجة الأخلاق؟ وهل نحن مستعدون لتسليم زمام القرار لذكاءٍ اصطناعيٍ خالٍ من الوعي الأخلاقي؟