"سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون"، انطلقت هذه الجملة من أفواهنا إعلانًا أننا بدأنا السفر لمكة لتأدية العمرة.
يقول البعض أن أكثر دولة ترتفع فيها السياحة هي فرنسا، لكن الواقع مختلف، فعند الذهاب لمكة لتأدية العمرة أو تأدية فريضة الحج في المواقيت الزمنية ترى الكثير من المسلمين، والمسلمون يمثلون حوالي 25 من سكان العالم لأنهم ملياري نسمة.
بالرغم من وجد ملايين المسلمين في مكة وقت الحج حولك في وقت واحد والجميع يدعو، إلا أن سكينة المكان توحي بأن لا أحد غيرك هنا سبحان الله.
في رحلة العمر للعمرة تجد الجميع يسأل أيهمَا أجمل مكه أم المدينة؟ في هذه الحالة لا يمكنني الجزم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحالة الأولى مخاطبًا مكه: ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجنني منك ما سكنتُ غيرك أبدا، وفي الحالة الثانية، دعا الرسول صلى الله عليه وسلم للمدينة بالبركة، فجواب هذا السؤال هو كلاهما؛ المدينة من وجهة نظري تشعرك بأنك ستلتقي بعمر بن الخطاب بأي لحظة، وربما قد يخرج معه أبو بكر أوعثمان، نعم لا تستغربوا، هذا ما قد شعرتُ بهِ، هذا إحساس من يدخلها، وأما عن الروضة الشريفة فهي حكاية أخرى، أن ترى مكان منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحرابه، وقبره وكل أثر له يشعرك بنوع من السعادة لا يمكن وصفه.
المدينة هي مزيج السعادة التي قد يلحق بك أول دخولها، من رائحة المكان إلى الرائحة التي تختلف في كل زاوية هناك وكأنها مسك، جذبني في أرض الحرم المظلات العملاقة جدا، وربما أصغر التفاصيل مثل زمزم، أن تأتي قبل موعد الأذان بساعات حتى تتمكن من الدخول إلى المسجد لكثرة الناس هناك.
أذهلني التكنولوجيا المرتبطة بالمكان التي تُظهر تطور المكان وحداثته، كان مزيجًا رائعًا، فهناك لافتة كبيرة معلقة على كل بوابة من البوابات، توضح أن هذه البوابة أو هذا الجزء من المسجد ممتلئ أو فارغ، عندما تصل إلى مكة لا يمكنك فعل شيء عدا التحديق، ربما قد تفقد كل أدعيتك التي كنت تريد أن تدعوها هناك فور ما ترى الكعبة، فعندما تراها قد تنسى كل شيء وستظل تحدق بها حتى ترى أنك أنهيت أشواطك السبعة، عندما ترى الكعبة من بعيد تدرك أن الصور لا تعطيها حقها من الجمال، و إن اقتربت أكثر ستجد الستارة السوداء مكتوب عليها بلون أسود لكن الصور قد لا توضحه، وبالنسبة للون الكعبة الأسود رأيته مزيج مريح للعين، لدرجة أن إزالة عينيك قد تزعجك، و الكتابات الذهبية على جدرانه خلابة، تشعرك بأنك في مكان غريب عن كوكب الأرض، هي مجرد خطوط مائلة حيكت بالذهب، خطوط مائلة ملتوية، لم أفهم جل العبارات عليها سوى سورة الفاتحة.
عندما تكون في أحضان صحن الكعبة تكون الحكاية مختلفة، الآف والآف من الآلاف كلهم يدعون كلهم يريدون تحقيق مطالبهم، كلهم يريدون أن يكون هذا المكان لهم، كلهم يريدون الدعاء وينتظرون الإجابة، لكن عندما كنت بينهم، كانت القصة مختلفة، رافقتني سكينة عظيمة شعرت أنني وحدي رغم أن الآف إلى جانبي لكن للسكينة التي هناك والهيبة التي تعطيها الكعبة أثر مختلف يخترق قلبك، ربما لأن الحياة تحتاج قلبا نقيا وصفاء الذهن وهذا ما يوفره المكان لك.
مكة تشعرك فعلا بأنك قد أتممت نقصك، أجمل لحظة عندما تتمكن من الصلاة أمام الكعبة كانت هذه لحظة انتصار، لحظة فوز، وإن لمس الكعبة هي جل انتصار، أن تمسك أركانها ركناً، وأن أعلق بين حوافها وجدرانها، وأن أعلق في مكان كهذا، مثل ذاك المكان المدهش إنهُ لشيءٌ رائع.
وفي زحام الحياة تظن أنك أنت من اخترت التواجد هناك، لتدرك أن الله هو من اصطفاك لتذهب إليه، ولا قول ولا قدرة لك بأن تذهب دون تدابير رب العالمين، بل هو من يصطفي من يريد ليشرفه بزيارة المكان، وعاد جسدي وترك حواسًا وفؤادًا بين ثنايا صحن الطواف.