في عالم يشهد تغيرات متسارعة على الصعيدين الإجتماعي والثقافي، تبدو الحاجة ملحّة للعودة إلى الجذور التي تمنح الإنسان استقراره النفسي وهويته القيمية، وفي مقدمة هذه الجذور تأتي الأسرة، بوصفها اللبنة الأولى التي يُبنى عليها الفرد والمجتمع معًا، خاصة في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه العالم الحديث.
تبقى الأسرة، رغم التحولات التي يشهدها العصر، المؤسسة الأولى في حياة الإنسان، والركيزة الأساسية التي تتشكل فيها شخصيته وقيمه وتصوراته، فدور الأسرة لا يقتصر على الرعاية البيولوجية، بل يمتد إلى البناء النفسي والوجداني والثقافي، حيث يتعلم الطفل في كنفها الحب والأمان والإنتماء، ويكتسب منها مهارات التواصل والإحترام وتحمل المسؤولية.
ومع أن المجتمعات الحديثة باتت تعاني من مظاهر التفكك الأسري وضعف الروابط الإجتماعية نتيجة ضغوط الحياة وتسارع وتيرة العمل والإنشغال بالتكنولوجيا، إلا أن دور الأسرة لم يتراجع، بل أصبح أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، فغياب التماسك الأسري ينعكس على سلوك الأفراد، ويُسهم في تفشي مظاهر العنف والإنحراف والعزلة الإجتماعية.
من هنا، فإن دعم الأسرة وتحصينها يمثل استثمارًا في إستقرار المجتمع ونموه، ويقع على عاتق مؤسسات الدولة، التعليمية والإجتماعية مسؤولية كبرى في توعية الأسر، وتمكينها من التكيف مع تحديات العصر، دون أن تفقد هويتها أو أصالتها.
فالمجتمع المتماسك يبدأ من أسرة قوية، يسودها الحب والحوار والإحترام المتبادل بين أفرادها، وما زالت قيم التعاون والتكافل بين العائلات تمثل درعًا واقيًا في وجه الأزمات والكوارث، كما برز جليًا خلال الأزمات العالمية الأخيرة، حيث كانت الأسرة والروابط الإجتماعية الملاذ الأول للناس.