تعد ظاهرة اشعال "الخريس" أو "السلكة" واحدة من الظواهر الملفتة التي تنتشر في بعض المجتمعات بعد الإفطار في شهر رمضان المبارك، خاصة بين الأطفال والمراهقين الذين يجدون في هذه العادة مزيجًا من التسلية والاندفاع نحو التجربة، يتخذ هؤلاء الشباب من هذه الممارسات وسيلة للمرح والتعبير عن أنفسهم دون التوقف عند المخاطر الجسيمة التي قد تنجم عنها مع إشعال فتيل مغموس بمادة قابلة للاشتعال، يبدأ الأطفال والشباب بالتلويح بها بحماسة غير مدركين للعواقب التي قد تترتب على هذه السلوكيات.
ينبغي أن نطرح التساؤل حول السبب وراء انتشار هذه الظاهرة؛ إذ تكمن الإجابة في مجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية التي تؤثر بشكل كبير في تفكير وتصرفات هؤلاء الشباب قد يكون الفضول وحب الاستكشاف وخوض التجربة هو المحفز الأساسي، يسعى الأطفال والمراهقون إلى التجربة والتعلم من خلال خوض مغامرات جديدة تُشبع حاجتهم إلى التحدي والإثارة، كما أن تأثير الأقران والمجموعة يلعب دورًا بارزًا في تشكيل هذه العادة؛ إذ يتبنى الكثيرون هذه السلوكيات بناءً على ما يرونه في أصدقائهم أو من هم في محيطهم الاجتماعي، مما يعطيهم شعورًا بالتميّز أو الشجاعة وفي كثير من الأحيان، لا يملك هؤلاء اليافعون الوعي الكافي بالمخاطر التي قد يواجهونها؛ بل ينظرون إلى هذه الممارسات على أنها مجرد ألعاب مسلية وغير مؤذية.
لكن رغم ذلك، لا يمكن تجاهل المخاطر الكبيرة التي تترافق مع هذه الظاهرة؛ فإشعال المواد القابلة للاشتعال والتلويح بها قد يتسبب في إصابات جسدية خطيرة كالحروق التي قد تطال اليدين أو الوجه وهي إصابات قد تتطلب علاجًا طويلًا ومرهقًا، وهناك أيضًا خطر آخر لا يقل أهمية؛ وهو احتمالية نشوب حرائق إذا ما سقط الشرار على مواد قابلة للاشتعال مما يعرض المحيطين للخطر وقد يتسبب في أضرار مادية كبيرة، ولا تتوقف المخاطر عند هذا الحد؛ بل يمكن أن تشمل مشكلات صحية أخرى تتعلق بالتنفس؛ فقد يؤدي استنشاق الدخان الناتج عن احتراق هذه المواد إلى تهيج الجهاز التنفسي وصعوبة في التنفس الأمر الذي قد يعرض حياة الأطفال والمراهقين للخطر دون أن يشعروا بذلك غالبًا.
إن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب تكاتف الجهود من جميع الأطراف المعنية، وعلى رأسها الأسرة والمدرسة والمجتمع، فلا بد من تكثيف حملات التوعية التي تستهدف الشباب لتوضيح المخاطر الجسيمة التي قد تنجم عن هذه السلوكيات غير المسؤولة، يمكن تنظيم فعاليات تربوية في المدارس والمراكز المجتمعية لشرح عواقب مثل هذه الممارسات، وتعريف الأطفال والمراهقين ببدائل آمنة للترفيه، من المهم أيضًا أن تلعب الأسرة دورًا محوريًا في مراقبة سلوك أبنائها، خاصة في الأوقات التي تزداد فيها هذه الممارسات بعد الإفطار مما يضمن عدم انغماسهم في مثل هذه العادات الخطرة، علاوة على ذلك؛ يمكن تشجيع المجتمعات على توفير أنشطة بديلة وجذابة مثل المباريات الرياضية أو الفعاليات الثقافية التي تحفز الشباب على ممارسة أشياء مفيدة وآمنة، بدلاً من الانخراط في مثل هذه المخاطر، كما يجب على الجهات الأمنية اتخاذ الإجراءات الرادعة بحق كل من يمارس هذه الظاهرة.
إن الوقاية من ظاهرة "الخريس" أو "السلكة" تتطلب جهدًا مشتركًا بين جميع أفراد المجتمع، وإيجاد بيئة صحية وآمنة تجعل من هذا الشهر المبارك فرصة للتحلي بالقيم الإيجابية بعيدًا عن السلوكيات المدمرة، فعندما يُدرك الشباب المخاطر المحتملة لهذه الظاهرة ويُمنحون البدائل التي تُشبع رغباتهم في التسلية والمتعة بطريقة آمنة، يمكن الحد من انتشار هذه الظاهرة بشكل كبير، بذلك سنتمكن من ضمان سلامة أطفالنا ومراهقينا وحمايتهم من العواقب المدمرة التي قد تُهدد حياتهم.