"ذاكرة حضارة وروح وجمال"
يُعد متحف الفن الإسلامي في قطر من أبرز المعالم الثقافية والمعمارية في الدوحة، فهو ليس مجرد صرح حجري صامت، بل فضاء حيٌّ ينبض بالحضارة ويروي تاريخًا طويلًا من الإبداع والجمال الإسلامي.
شُيّد المتحف ليكون منارة ثقافية وجسرًا يصل بين ماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها، ويقع في موقع استثنائي على كورنيش الدوحة، حيث تطل واجهته على مياه الخليج العربي التي تعكس نور الشمس كأنها مرآة صافية تحتضنه بسكينة وهدوء.
صُمّم مبنى المتحف على يد المهندس العالمي آي إم باي، الذي استوحى تصميمه من العناصر الإسلامية القديمة، فجاء المبنى وكأنه تجسيد معماري للحكمة والوقار، إنه يجمع بين البساطة والهندسة الدقيقة والرمزية العميقة، ويبدو للزائر ككتلة نورانية تنبثق من قلب البحر تروي حكاية مجدٍ طويل.
وما إن يعبر الزائر بوابة المتحف حتى يشعر وكأنه انتقل إلى عالم آخر، حيث تغمره روح الحضارة الإسلامية بكل أبعادها الجمالية والروحية والعلمية، فتصميم المكان يجعل التنقل بين القاعات أشبه برحلة زاخرة بالاكتشافات، حيث يضم المتحف مجموعات نادرة من التحف الإسلامية جمعت من مختلف أرجاء العالم الإسلامي، تعود إلى أكثر من ألف سنة وتشمل هذه المجموعات مخطوطات نادرة، بعضها مزين بالذهب واللازورد، إلى جانب قطع خزفية مطلية بألوان زاهية حافظت على رونقها رغم تعاقب الزمن، كما يضم المتحف قطعًا زجاجية ومعدنية، ومنسوجات وسجادًا مزخرفًا، وسيوفًا ودروعًا وأوانيًا، إضافةً إلى الحُلي التي تعكس براعة الفنان المسلم الذي جمع بين الحرفة والإيمان ليجعل من فنه رسالة جمالية سامية.
ولا تقتصر معروضات المتحف على بلد واحد أو منطقة محددة؛ بل تمثل تنوع الحضارة الإسلامية في أبهى صورها، فمن الأندلس غربًا إلى الهند في شرقًا، تتناثر آثارٌ تحكي قصص مدن وعصور وأعلام وسلاطين.
والمتحف لا يُعد مجرد مكان لعرض التحف، بل هو كتاب مفتوح يقرأه الزائر بعينيه وقلبه، ليكتشف من خلاله أن الفن الإسلامي لم يكن مجرد ترف أو زينة، بل كان تجسيدًا للإيمان والعقل والذوق الرفيع.
ويمتاز المتحف بأسلوب عرضٍ مدروس، حيث تُوضع التحف بطريقة تتيح للزائر التأمل دون أن يضيع وسط الزحام، فيما تعزز الإضاءة، والمساحات، والألوان داخل القاعات من جمال القطع، مانحةً إياها بعدًا بصريًا وروحيًا يجعل التجربة أكثر عمقًا وتأثيرًا، كما يضم المتحف مكتبة متخصصة وقاعات تعليمية ومرافق تهدف إلى نشر المعرفة وتحفيز البحث في مجالات الفن والتاريخ والحضارة.
ورغم أنني لم أزر المتحف شخصيًا، إلا أن ما قرأته عنه وما شاهدته من صوره وما سمعته من آراء زواره، يدفعني إلى تخيله كحكاية بصرية ووجدانية تُروى دون كلمات، حيث تمثل كل زاوية فيه روحًا، وكل قطعة أثرًا حيًا لزمن مضى لكنه ما زال يهمس في قلوب من يراه.
يُشكل متحف الفن الإسلامي واجهة حضارية مشرقة تعكس اهتمام قطر بالثقافة والهوية والتراث، كما يمثل رسالة مفتوحة للعالم، تؤكد أن الحضارة الإسلامية ما زالت حيّةً ونابضة، تُسهم في تشكيل الوعي الجمالي والإنساني، إنها ليست مجرد إرثٍ ماضٍ، بل ذاكرة حية تُلهم الحاضر وتصوغ المستقبل، ولهذا فإن المتحف ليس مجرد مكان؛ بل هو قيمةٌ وهويةٌ ورؤيةٌ ومصدر فخر لكل عربي ولكل من يعشق الفن والجمال والإنسانية.