تُعدّ المضادات الحيوية من أعظم الاكتشافات الطبية في القرن العشرين، إذ أنقذت ملايين الأرواح من أمراض كانت قاتلة في الماضي، مثل: التهابات الرئة والسل وتسمم الدم، ومع ذلك فإن هذا الإنجاز الطبي أصبح اليوم مهددًا بسبب الاستخدام الخاطئ والمفرط لهذه الأدوية، مما أدى إلى ظهور ظاهرة مقلقة تُعرف باسم مقاومة المضادات الحيوية.
تحدث مقاومة المضادات عندما تتكيف البكتيريا وتصبح قادرة على النجاة من العقاقير المصممة لقتلها؛ مما يؤدي إلى تحول التهابات شائعة كانت تعالج بسهولة إلى أمراض خطيرة يصعب الشفاء منها وقد تتسبب في مضاعفات خطيرة أو الوفاة.
ومن أبرز أسباب تفاقم هذه المشكلة صرف المضادات الحيوية دون وصفة طبية أو استخدامها لعلاج فيروسات مثل: الزكام والإنفلونزا، رغم أن هذه العقاقير لا تؤثر على الفيروسات، كما أن عدم استكمال الجرعة المقررة أو مشاركتها مع الآخرين يضعف فعالية الدواء ويمنح البكتيريا فرصة لتطوير مقاومة له.
ولا تقتصر هذه المشكلة على الأفراد فحسب؛ بل تهدد النظم الصحية عالميًا، فقد حذرت منظمة الصحة العالمية من أن مقاومة المضادات الحيوية قد تعيدنا إلى عصر ما قبل المضادات، إذ كانت العمليات الجراحية البسيطة والولادات الطبيعية تنطوي على مخاطر عالية للإصابة بعدوى قاتلة.
وللتصدي لهذا الخطر الصامت، لا بد من تكاتف الجهود بين الأفراد والجهات الصحية، ويُعد الوعي المجتمعي بأهمية استخدام المضادات الحيوية فقط عند الحاجة وتحت إشراف طبي خط الدفاع الأول، كما يجب على الحكومات تشديد الرقابة على صرف الأدوية، وتشجيع البحث العلمي لإيجاد بدائل وابتكار مضادات جديدة.
الحفاظ على فعالية المضادات الحيوية مسؤولية جماعية، كل قرار نتخذه بشأن استخدامها قد يحدد مصيرنا الصحي في المستقبل، فإما أن نحمي هذا الكنز الطبي الثمين أو نخسره إلى الأبد.