يستذكر كبار سن، ومؤرخون، وجغرافيون، ومهتمون بشأن الطبيعة في محافظة الطفيلة، بأن غابات السرو واللزاب والبلوط والصنوبر كانت تكسو مناطق عديدة في المحافظة أبرزها ضانا، بل كانت ذات انتشار لافت، خصوصًا خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
أننا نعيش في هذه السنوات حالة غريبة من اختفاء تلك الغابات بسبب متغيرات عديدة منها ما هو طبيعي ومنها بفعل الإنسان ، فتلال الطفيلة التي كانوا يتحدثون عن خضرتها، أصبحت شبه جرداء، وسهولها المتخمة بالغابات، لم يعد فيها سوى بقع متناثرة من العشب، وبشكل يدعو للبحث والمتابعة حول الأسباب التي خطفت تلك الخضرة من هذه السهول والتلال وحتى الحيوانات البرية مثل الماعز الجبلي والطيور البرية اختفت هي كذلك من تلك التلال والسهول.
إن المحافظة كانت مليئة بالغابات والمناطق الخضراء، والمراعي الطبيعية والأشجار الكبيرة من السرو، والبلوط، والبطم، في الطفيلة، وكان ممعن النظر يستطيع رؤية الغابات الممتدة عبر الجبال والتلال والسهول بشكل واضح جدًا.
وعن أسباب اختفاء هذه الغابات نذكر أن الأمطار كانت وفيرة، والثلوج تزور الطفيلة سنويًا، وبكميات كبيرة جدًا، حيث أنه في أحد الأعوام تسببت غزارة هطول الثلوج لتغطية أجزاء من منازل المواطنين إلا أن نسبة الأمطار في هذه الأيام تشهد تراجعًا ملحوظًا، مقارنة بالسنوات الماضية، التي كانت تشهد تساقطًا للأمطار بداية أيلول من كل عام، وحتى بداية نيسان من العام التالي، فيما اختفاء تلك الغابات سببه تراجع مستويات الأمطار بين تلك الفترة، خصوصًا السنوات الأخيرة.
ويذكر كبار السن الغابات المنتشرة في مناطق الجنين، والقعير، ومنطقة الغابة، والعبر، وغابات عابل والطفيلة وسط هدير هائل لمياه العيون الجوفية في تلك المناطق، لكن العيون الجوفية لم تعد كذلك، ولا حتى أصوات زقزقة العصافير، التي كانت تجوب تلك المناطق.
المؤرخ والروائي، سليمان القوابعة، في كتابه «الطفيلة..موجز في جغرافيتها التاريخية» قال أن الطفيلة تقع ضمن دائرة مناخ البحر الأبيض المتوسط حيث الشتاء المعتدل الماطر والصيف الحار الجاف، غير أن هذه الصفة العامة مضلّلة أحيانًا، فالأمطار قد تمتنع وتتذبذب ويختلف توزيعها على أشهر الشتاء.
ويضيف نص الكتاب، أن المنطقة كانت تمثل أرضًا حرجية واسعة، ففيها جميع عناصر الغطاء النباتي للإقليم المتوسطي من «لزّاب» وبلوط وخروب وأرز، بيد أن عمليات إنتاج الفحم، والتحطيب غير المسؤول، واستمرار موجات الجفاف أدت إلى انحسار المساحات الخضراء ولم يتبق منها سوى القليل في أودية ضانا والقادسية ولحظة.
ويقول باحثون بالشأن البيئي إن التصحر يعود إلى ضعف المواسم الزراعية، وانحباس الأمطار، والتغير المناخي، والتحضر المدني، وعمليات التنقيب عن المعادن.