تخيل أنك تعيش في زمنٍ قديم، حيث تنتشر شائعاتٍ عن مخلوقاتٍ غامضةٍ تتجول في اللّيل، وتكون الشمس من أشد أعدائه، وتمتلك ملامحًا شاحبةً وأنيابًا حادةً. ويقال إنهم يبحثون عن ضحاياهم لامتصاص دمائهم. مخلوقات مرعبة لطالما أثارت الرعب في القلوب. لكن، ماذا لو لم تكن هذه المخلوقات مجرد أسطورة؟ ماذا لو كان وراء هذه الحكايات مرضٌ حقيقيٌ أو ظاهرةٌ غريبةٌ؟
 مرضٌ نادرٌ، يهاب ضوء الشمس ويترك بصماته على الجسد والعقل، هذا المرض هو البورفيريا إنه منبعُ أشهرِ الأساطيرِ والخرافاتِ في التاريخ.
البورفيريا: هي مجموعةٌ من الاضطراباتِ الوراثيةِ التي تؤثُر على إنتاج الهيم، وهو المكون الأساسي في الهيموغلوبين الموجودِ في كرياتِ الدم الحمراء. حيث يحدث هذا المرض بسبب خللٍ في الإنزيمات المسؤولةِ عن إنتاج الهيم، مما يؤدي إلى تراكم مركبات البورفيرينات في الجسم، والتي تسبب أعراضًا مختلفةً حسب نوعِ المرض.
حيث تنقسم البورفيريا إلى نوعين رئيسين اعتمادًا على العضو الأكثر تأثرًا بتراكم البروفيرينات: البورفيريا الحاد والتي تؤثر على الجهاز العصبي، وعادةً ما تظهر أعراضها على شكل نوبات مفاجئة تتضمن آلامًا حادة في البطن، واضطراباتٍ عصبيةٍ، وهلوساتٍ، بالإضافة إلى إنه قد يؤدي إلى الشلل المؤقت.
أمّا النوع الثاني فهو البورفيريا الجلدية التي تؤثرُ بشكلٍ رئيسٍ على الجلد، حيث يؤدي التعرض لأشعة الشمس إلى ظهور بثور واحمرار، وفرطِ التصبغ، وفي بعض الحالات تؤدي إلى انكماش اللثة، الذي يجعل الأسنان تبدو أطول، إلى مظهر غريب ومخيف، إلى جانب تجنب المصابين للضوء بسبب الألم الشديد، ساهم في نشوء الأساطير حول مصاصي الدماء، ففي العصور القديمة كان هذا المرض منتشرًا، لذا فُسّر سلوكهم الغامض ومظهرهم غير المعتاد على أنهم مخلوقات تعيش في الظلام وتتغذى على الدماء، خاصةً أن بعض العلاجات القديمة تضمنت شرب الدم لتعويض نقص الهيم.
يرجع سبب البورفيريا إلى طفرات وراثية، ولكن الأعراض قد لا تظهر إلا عند التعرض لمحفزات معينة، مثل: الأدوية وبعض المضادات الحيوية والمهدئات والهرمونات، والكحول والتدخين اللذان يزيدان من خطر الأعراض.
تختلف الأعراض حسب نوع المرض ولكنها قد تشمل: آلامٌ شديدة في البطن، غثيانٌ، قيءٌ، اضطراباتٌ عقليةٌ، مثل: القلق والاكتئاب، لكن كيف يتم تشخيص هذا المرض؟ يتم التشخيص من خلال تحليل البول والدم؛ للكشف عن مستويات البورفيرينات، ويمكن أيضًا إجراء اختبارات وراثية لتأكيد التشخيص. أمّا العلاج فيعتمد أيضًا على نوع المرض وشدة الأعراض والذي يشمل: العلاج بالهيمين: وهو العلاج الشائع لنوبات البورفيريا الحادة، وسحب الدم لتقليل مستويات الحديد.
  فهل مصاصو الدماء مجرد كائنات خيالية تروي لنا حكايات الرعب، أم أنهم رمز لصراعاتنا الداخلية التي لا نجرؤ على مواجهتها؟ وهل يمكن أن نجد في ظلامهم شيئًا من نورنا نحن البشر الذين نسعى دائمًا لفهم معنى الحياة والموت؟