تتسلل الخضرة بين الصخور، ويهمس الماء في المدى كأنه يروي سرًا قديمًا لا تمله الطبيعة، هناك، في ربوع مادبا التي تعج بالتاريخ والقداسة، تنبض "عيون موسى" بالحياة، وكأن الزمن توقف لحظة تفجّرت فيها المياه من قلب الحجر، عندما ضربه النبي موسى عليه السلام بعصاه، حسب ما تنقله الروايات الشعبية والتقاليد المتجذرة في وجدان الناس.
هذا المكان لا يَفصله الزمان عن روحه، ففي محيطه، يشير التاريخ إلى جبل نيبو، حيث قيل إن النبي موسى نظر إلى أرض الميعاد قبل أن يغيب عن الدنيا، هنا، تمتزج الأسطورة بالدين، وتتقاطع الجغرافيا مع الإيمان، في مشهد يضفي على المكان هالة من السكينة والرهبة.
لكن عيون موسى ليست مجرد نقطة على خارطة السياحة، بل تجربة روحية وطبيعية قلّ نظيرها، فهي مقصدٌ للباحثين عن التأمل، والهاربين من صخب المدن، والعاشقين للينابيع حين تنطق بالحياة، ويزداد جمالها حين يزورها الناس في الربيع أو الخريف، حين يكتسي الوادي بألوان الزهور وتعتدل الأجواء، ويصبح كل ما في المكان دعوة للاسترخاء والتأمل.
ورغم مكانتها البارزة ضمن المسار السياحي في مادبا، إلى جانب جبل نيبو وكنيسة الخارطة ومواقع أخرى، فإن عيون موسى لا تزال تئن من قلة الإهتمام، فالبنية التحتية المتواضعة والخدمات المحدودة لا تواكب القيمة التاريخية والدينية للموقع ولا تطلعات الزائرين.
أبناء المنطقة والمهتمون بالسياحة يطالبون بإحياء هذا الإرث الحي، من خلال تطوير الموقع، وتحسين مرافقه، والترويج له محليًا وعالميًا بما يعكس خصوصيته ومكانته، فالمكان ليس فقط شاهدًا على قصة قديمة، بل فرصة حاضرة للمستقبل، وسرد حيّ يجب أن يُكتب من جديد بلغة تحفظ ماءه، وتُنصف روحه.