مع قدوم فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة، يتجه الناس إلى الأطعمة الدافئة والمغذية التي تمنحهم الطاقة والحرارة لمواجهة البرد. ومن بين الأطباق الشتوية الشهيرة في بلاد الشام، يبرز "المفتول" كواحد من أكثر الأكلات التي تحمل في طياتها عبق التراث والنكهة الغنية. يُعد المفتول من الأطعمة التقليدية في فلسطين والأردن وبعض المناطق في سوريا، حيث يُحضر بطرق متوارثة تعكس مهارة السيدات في تحضيره يدويًا بحب وصبر.
يتميز المفتول بنكهة مميزة وقوامًا متماسكًا. يُصنع من دقيق القمح، حيث يتم تحويله إلى حبيبات صغيرة من خلال "الفتل" اليدوي، وهي عملية تتطلب مهارة خاصة لإنتاج حبيبات متناسقة. بعد ذلك، يُطهى المفتول على البخار حتى ينضج تمامًا، مما يجعله صحيًا وخفيفًا مقارنة بالطرق الأخرى للطهي.
عند تقديم المفتول، يُضاف إليه مرق الدجاج أو اللحم، مع الحمص والبصل والتوابل التي تمنحه نكهة فريدة. يتميز المرق بمذاقه العميق بفضل استخدام البهارات، مثل: الكمون، والقرفة، والفلفل الأسود، مما يعزز من القيمة الغذائية للطبق ويجعله وجبة مثالية لفصل الشتاء. كما يضفي الحمص نكهة غنية ويزيد من محتوى الطبق من البروتين، مما يجعله متكاملًا من الناحية الغذائية.
تشتهر هذه الأكلة بقدرتها على توفير الطاقة والدفء للجسم، فهي غنية بالكربوهيدرات المعقدة التي تمد الجسم بالطاقة لفترات طويلة، فضلًا عن البروتينات والفيتامينات الموجودة في مكوناتها. ولهذا، يُعد المفتول خيارًا مثاليًا في الشتاء، حيث يساعد على التدفئة ومقاومة برودة الطقس، إلى جانب فوائده الصحية المتعددة.
لا يُعد المفتول مجرد وجبة غذائية، بل هو جزء من التراث الثقافي والاجتماعي، حيث يجتمع أفراد العائلة لتحضيره يدويًا في أجواء مليئة بالمودة والتعاون. لا تزال الكثير من النساء في القرى الفلسطينية والأردنية يحرصن على تحضيره بطريقة تقليدية، في حين تتوفر اليوم نسخ جاهزة في الأسواق لتسهيل إعداده. لكن يبقى للطريقة اليدوية طابعها الخاص الذي لا يمكن تقليده بسهولة.
في المناسبات العائلية، يُقدم المفتول غالبًا كوجبة رئيسية، خاصة خلال فصل الشتاء. كما يُعتبر رمزًا للكرم وحسن الضيافة، حيث يُعد بكميات كبيرة تكفي لتجمع العائلة والأصدقاء حول مائدة عامرة بالدسم واللذة.
ومع مرور الزمن، لا يزال المفتول محافظًا على مكانته كواحد من الأطباق الأكثر شعبية في المطبخ الشامي. فهو ليس مجرد طعام، بل تجربة ثقافية ومذاق يحمل في طياته أصالة الماضي، مما يجعله خيارًا مثاليًا لمن يبحثون عن الدفء والحنين إلى تراث الأجداد في كل لقمة.