لطالما عمِل العرب والمسلمون على تخليد ذكراهم وإنجازاتهم بطريقتهم الخاصّة، فأبدعوا بنقش أجمل الزخارف، ونحتِ أبهى الكتابات على جدران بناياتهم، وزيَّنوا بها المساجد والمآذن والقِباب، كما وأثّرت تلك الأعمال الزّخرفيّة على الفنّ الغربيّ من خلال التّبادل التّجاريّ والفتوحات وفترة الحروب الصّليبيّة.
يتجلّى تأثير الفنّ العربيّ الإسلاميّ في فن الأرابيسك الّذي يعدُّ من أشهر الفنون على مرِّ التّاريخ؛ إذ يقوم الأرابيسك على تزيين الأسطح والجدران بالأشكال الهندسيّة والزّخارف؛ وهو من أكثر الفنون الإسلاميّة إبرازًا للتّعقيد والجمال، ويُعتبرُ الأندلسيّون هم المطوّرون الأساسيّون لهذا الفن الّذي ظهر آنذاك في مساجدهم ومعابدهم وقصورهم المختلفة، مثل: قصر الحمراء في غرناطة الّذي زُيِّنَ بأنماط الأرابيسك المعقّدة البديعة.
يعني مصطلح الأرابيسك على "الطّراز العربي" ما يدلّل على أنّ العرب هم روّاد هذا الفنّ المليء بالحياة، وعُرِفَ في بلاد الشّام ومِصر؛ فَظَهر في كل شيءٍ تقريبًا ليُضفي لمسة من الرقي والجمال للجدران، والأعمدة، والشّوارع والتّيجان، ومنابر المساجد.
إذا أردنا إنتاج مشغولات الأرابيسك قديمًا، نحتاج إلى خشب، ومطرقة، وعاج، وورق صنفرة، وورق الرّسم، ومنشار أركيت، وغيرها من الأدوات الّتي شارفت على الاختفاء في زمننا الحديث.
وقد زيَّن فن الأرابيسك الأثاث والدّيكور المنزليّ والهدايا التذكارية برسومه المعبرة وألوانه العديدة.
يمكن رؤية فن الأرابيسك بانتشاره الواسع في أوروبا واضحًا في كثير من الكاتدرائيّات القوطيّة، مثل: كاتدرائيّة بورغوس في إسبانيا الّتي تذكرنا بأشكال الأرابيسك الموجودة في قصر الحمراء.
الزّخارف هي لغة عالمية بحد ذاتها تُطلِعُنا على روعة كل حضارة والعرب هم أوائل من ترأسوا هذه اللغة المعقدة التي تبعث الراحة والدهشة في النفوس؛ فتجتمع الأشكال الهندسية والألوان لتكوين اللوحات الفنية المزخرفة بإتقان.