انقراض الأنواع ليس مجرد ظاهرة علمية تُسجل في الكتب أو رقم يُضاف إلى إحصائيات البيئة؛ بل هو جرح عميق يصيب قلب الطبيعة، النهاية الصامتة لحياة كانت تنبض، لحركة كانت تملأ الأرض، لصوت كان ينسجم مع باقي الأصوات في سيمفونية الخلق.
أن ينقرض نوعٌ ما يعني أن يُمحى من الوجود إلى الأبد، أن تختفي آثاره بالكامل، لا يُولد منه فردٌ جديد أو يُرى له أثر في الغابات أو البحار أو السماء، يحدث هذا الانقراض نتيجة عوامل متعددة بعضها طبيعي كالبراكين والزلازل والتغيرات المناخية المفاجئة، ولكن الحقيقة المؤلمة أن معظم حالات الانقراض اليوم سببها الإنسان، نحن من نقطع الغابات ونلوث الأنهار ونصطاد بلا رحمة ونستهلك بلا وعي ونغيّر المناخ بأنانيتنا وجشعنا، نحن من نحرم الكائنات من مأواها من غذائها ومن فرصتها في الحياة.
تخيل غابة بلا طيور، محيطًا بلا أسماك، سماءً لا تمر فيها أسراب الطيور المهاجرة، تخيل أن يستيقظ العالم يومًا دون دببة قطبية في القطب أو دون نمور في الغابات أو دون فراشات ترفرف فوق الزهور، كيف يمكن أن نستمر نحن بينما نفني كل ما يجعل الحياة جميلة ومتوازنة؟
الانقراض لا يؤذي الطبيعة وحدها؛ بل يهددنا نحن أيضًا، فكل نوع على هذه الأرض يؤدي دورًا في دورة الحياة وفي الحفاظ على التوازن البيئي، عندما يُكسر هذا التوازن ندفع نحن الثمن حين تختفي الملقحات تتراجع الزراعة وتنقرض الحيوانات المفترسة تنتشر الآفات وتُقصى الأشجار يتسارع تغير المناخ، وحين نواصل عاداتنا الضارة نقترب أكثر من فقدان هذا التناغم الطبيعي الذي يبقينا أحياء.
فلنتوقف لحظة ونسأل أنفسنا: أي إرث نتركه وراءنا؟ هل نريد أن يتذكرنا التاريخ كجيلٍ أنهى حياة الكائنات؟ أم كجيلٍ استيقظ في اللحظة الأخيرة ومد يده للحياة ورمم ما تهدم؟ الحياة أمانة، والطبيعة عهد، وكل كائن على هذه الأرض يستحق أن يعيش لا أن يُمحى بصمت.
فلنحمِ ما تبقى قبل أن تُطفأ آخر شمعة من هذا الجمال.