تعيش المجتمعات المعاصرة تحديات عديدة تمسّ أساس بنيتها الاجتماعية، ولعلّ من أبرز هذه التحديات قضية تفكك الأسرة، فالأسرة التي كانت في الماضي وحدة متماسكة تقوم على التعاون والحوار والتضحية، بدأت تتعرض اليوم لهزّات متكررة تُضعف دورها وتقلل من تأثيرها في تربية الأجيال وصناعة المستقبل.
يظهر التفكك الأسري في صور متعددة، مثل الطلاق المتكرر، ضعف التواصل بين الآباء والأبناء، غياب أحد الوالدين بسبب ظروف العمل أو الهجرة، أو حتى الانشغال الزائد بالتكنولوجيا على حساب الحياة العائلية، كل هذه العوامل تُسهم في خلق بيئة غير مستقرة تؤثر بشكل مباشر على نفسية الأطفال وسلوكهم.
إن الآثار المترتبة على تفكك الأسرة لا تتوقف عند حدود البيت، بل تمتد لتطال المجتمع بأسره، فالأبناء الذين يكبرون في بيئة يسودها التوتر أو الإهمال، قد يعانون من مشكلات نفسية أو سلوكية، مثل العنف، الانطواء، أو الفشل الدراسي، مما يزيد من عبء المؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية، كما يرتفع في هذه الحالات احتمال الانحراف أو التطرف نتيجة غياب التوجيه السليم.
من جهة أخرى، يؤدي تفكك الأسرة إلى تآكل قيم الانتماء والتكافل، وهو ما يهدد وحدة المجتمع وتماسكه، فإذا غابت الأسرة بوصفها الحاضن الأول للقيم، فمن سيتكفل بإعداد جيل يحترم القانون، ويؤمن بالعدالة، ويشارك في بناء وطنه؟
إن معالجة هذه القضية تتطلب جهداً مشتركاً من جميع أطراف المجتمع، على الدولة أن تدعم الأسر اقتصادياً، وتوفر برامج إرشاد وتوعية، وعلى الإعلام أن يعزز الصورة الإيجابية للأسرة
المتماسكة، وعلى المدرسة أن تلعب دوراً تكميلياً في التربية، وقبل كل ذلك، يجب أن يدرك كل أب وأم أن بناء أسرة سليمة هو مسؤولية عظيمة لا تقل عن أي دور وطني أو اجتماعي.
وفي النهاية قضية تفكك الأسرة ليست شأناً خاصاً، بل هي مسألة مجتمعية تمس الجميع، فصلاح الأسرة هو المفتاح الحقيقي لصلاح المجتمع، واستقرارها هو ضمان نهضة الأوطان.