يأتي الأمل بعد الألم.. وتأتي المنح بعد المحن.. شعب غزة شيوخًا وأطفالًا.. شبابًا وشاباتٍ.. نساءً ورجالًا، كلهم تحدّوا الصعوبات ليبنوا غزة من جديد.
من بين القصف والدمار والنزوح واللجوء.. والشهداء والمخيمات.. خرج معلّمو غزة الصامدون.. المرابطون على ركام بيوتهم ومدارسهم ومساجدهم ومستشفياتهم ووسط مخيمات النزوح.
بدأت المبادرة التعليمية "بنضوي شمعة" من معلّم لغة عربية يُدعى (رائد أبو طعيمة) الذي عمل مع زملائه على تشكيل فريق من المدرّسين وتحويل مكتبة في رفح جنوب قطاع غزة إلى مقرّ للدراسة والتعليم بعد أن لاحظ إقبال أبناء النازحين على استعارة الكتب من المكتبة.. أراد تعزيز شغفهم بالقراءة والمطالعة والترفيه عنهم بعد أن حُرموا من التعليم منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بسبب العدوان الإسرائيلي.
لم يتوقّف هذا النوع من المبادرات.. إذ استمرّ في العديد من مناطق القطاع مثل مبادرة "الشهيد الحيّ" في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة التي بدأت من معلّم نازح يُدعى (محمد الخضري) الذي بدأ بتعليم أبنائه الثلاثة ذاتيًّا في أحد مراكز الإيواء.
وللمعلّم واحدة من حكايات الحرب المثيرة؛ فقد كان في عداد الشهداء لنحو 9 ساعات، ووثّقه مستشفى الشفاء كشهيد في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 قبل أن يعود إلى الحياة بفضل نجاح الدفاع المدني في انتشاله من تحت أنقاض منزله في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.
وقال (الخضري) لوسائل الإعلام: "الحياة موقف، ولا بدّ للإنسان من بصمة، وعدم الركوع لليأس والخنوع، ومن هنا كانت مبادرتي لتعليم الأطفال والتفريغ النفسي عنهم".
وبين الأنقاض ومشاهد الفقد.. ينهض التعليم في غزة كمقاومة يومية وصامتة تحملها مبادرات فردية من قلب الألم.. فالمعلمون الذين نجوا من الموت لم ينجوا من مسؤوليتهم إذ اختاروا الحياة والوقوف في وجه اليأس عبر إضاءة شمعة معرفية لأطفال فقدوا الكثير، هؤلاء المعلمون بمبادراتهم يثبتون أن المعرفة لا تُقصف.. وأن الإرادة لا تُهدم.. ومن وسط الركام يواصلون بناء الإنسان قبل المبنى.. ويؤكدون أن غزة باقية ما دام في وجدانها من يعلم ويتعلّم رغم الألم ويضيء شمعة رغم الظلام.