على مدرجات مدينة جرش الرومانية وبين أعمدتها العتيقة الصامدة عبر الزمن ينبعث صوت الموسيقى وترتفع الكلمات على خشبات المسرح، في مشهد يعيد الحياة إلى قلب التاريخ، هناك لا يكون الفن مجرد عرض بل طقس ثقافي يحتفي بالهوية ويؤكد أن للإبداع مكانًا لا يُزاح في ذاكرة الشعوب.
مهرجان جرش للثقافة والفنون أحد أبرز المهرجانات العربية، والذي يقام سنويًا في المدينة الأثرية العريقة شمال الأردن، ويُشكل تظاهرة فنية وثقافية كبرى تجمع بين الماضي والحاضر وتحاكي مختلف الأذواق والإنتماءات.
أُطلق المهرجان لأول مرة عام 1981 بمبادرة من جلالة الملكة نور الحسين، ليكون منصة لإحياء التراث الأردني وتعزيز الحراك الثقافي وتنشيط السياحة المحلية والدولية عبر عروض تنبض بالإبداع وتحتفي بالإنسان وفنه.
تتحول المدينة خلال أيام المهرجان إلى ملتقى عالمي في المدرجين الجنوبي والشمالي وساحاته القديمة، لتحتضن عروضًا موسيقية وغنائية ومسرحيات وأمسيات شعرية وفرقًا فلكلورية من مختلف الدول، بالإضافة إلى معارض حرفية وندوات فكرية وثقافية.
ويمثل المهرجان فضاءً رحبًا للتبادل الثقافي، يستقطب فنانين ومبدعين من أنحاء العالم كما يمنح الفرصة للمواهب الأردنية الشابة للظهور والتألق، ويُسهم في دعم الفنانين المحليين عبر منصة جماهيرية واسعة.
ويحظى الحدث بإقبال كبير من الزوّار من داخل المملكة وخارجها لما يحمله من تنوّع فني يدمج بين الأصالة والحداثة وبين الطرب الشرقي والغناء المعاصر، ما يجعله وجهة مفضلة لمختلف الأجيال والشرائح.
ولا تقتصر أهمية مهرجان جرش على الجانب الفني، بل يضطلع بدور وطني مهم إذ يُعزز الهوية الثقافية الأردنية ويرسّخ قيم الإنتماء والتواصل بين أبناء المجتمع، ويُسهم في دعم الإقتصاد المحلي من خلال تنشيط قطاعي السياحة والحرف اليدوية.
إن مهرجان جرش ليس مجرد حدث ثقافي بل هو احتفال حيّ ومفتوح بروح الأردن وشاهد على أن الثقافة تظل صوت الشعوب وحارسة تراثها وجسرها نحو العالم.