تحمل البيوت التراثية في قرى الطفيلة وبصيرا وصنفحة بين جدرانها الطينية وأسقفها المشيدة من القصيب والتبن، تاريخًا عميقًا يعكس أصالة العمارة التقليدية، حيث تقاوم تقلبات الزمن محتفظة بسحرها الذي يروي قصص الحياة اليومية في الأردن القديم.

تجسد المباني المنتشرة في أحياء مثل القطيفات والمعطن وغرندل هوية معمارية فريدة، تجذب الزوار المهتمين بالتراث وتؤرخ لمراحل تاريخية عبر تصاميمها البسيطة التي تعكس الواقع الإقتصادي والإجتماعي للمجتمع آنذاك، مما يجعلها شاهدًا على عراقة الطفيلة ومتحفًا حيًا ينقل الأجيال إلى زمن ماضٍ بقيم وتقاليد راسخة.

وأوضح المؤرخ سليمان القوابعة أن بيوت الطفيلة القديمة تتميز بتصاميمها المتواضعة خالية من الزخارف ما يعكس بساطة الحياة في تلك الحقبة، مشيرًا إلى تنوعها بين ثلاثة أنماط: البيوت ذات العقود المربعة أو المستطيلة، والبيوت المربعة بدون عقود، والتجمعات السكنية المتلاصقة في أحياء مثل جرف الدراويش وعيمة، التي لا تتبع نمطًا موحدًا.

ودعا القوابعة إلى حماية هذه المباني كإرث إنساني، يحمل قصصًا وحكايات توثق تاريخ المحافظة، مؤكدًا أنها تشكل متحفًا متنقلًا يعكس التراث المعماري والثقافي ويستحق الإستثمار كوجهة سياحية، خاصة مع تزايد الإهتمام بالسياحة التراثية في الأردن التي جذبت 5.2 مليون زائر في 2024 وفق إحصاءات وزارة السياحة.

وأكد المؤرخ والكاتب الدكتور إسحاق عيال سلمان، أن هذه البيوت تمثل جزءًا لا يتجزأ من هوية الطفيلة حيث تعكس أساليب البناء التقليدية بإستخدام الطين والخشب، مشيرًا إلى أن أحياء مثل البحرات وصنفحة وبصيرا القديمة تحمل كنوزًا تاريخية مهددة بالإهمال، حيث تحولت بعضها إلى خرابات أو مكاره صحية، وطالب بجهود عاجلة لترميمها ودمجها في مسارات سياحية مثل سوق الطفيلة القديم الذي كان مركزًا تجاريًا نابضًا في الستينيات، واقترح إعادة تأهيل معالم مثل قصرالباشا والمعصرة القديمة في بصيرا،

لتحويلها إلى وجهات تجذب السياح المحليين والأجانب، خاصة أن السياحة الثقافية ساهمت بـ1.4 مليار دينار في الإقتصاد الأردني عام 2024.

وأشار رئيس لجنة بلدية الطفيلة الكبرى الدكتور محمد الكريميين، إلى أن البلدية تعمل على تنظيف الأنقاض من بين التجمعات التراثية بشكل دوري، مؤكدًا أن هذه البيوت تشكل قيمة سياحية مضافة بفضل طبيعتها الخلابة، ودعا إلى إستثمارها كمنتج أثري يعكس الحياة القديمة مع خطط لتطوير مسارات سياحية حول قلعة الطفيلة تشمل متحفًا أثريًا للمحافظة، وأوضح أن البلدية خصصت 500 ألف دينار في 2024 لتحسين البنية التحتية السياحية، وفق تصريحات لجريدة الغد.

ودعا رئيس جمعية الغطاء الأخضر أحمد السعود، إلى ترميم البيوت التراثية مع الحفاظ على طابعها المعماري، وإقترح استملاكها لتحويلها إلى مراكز سياحية وإقتصادية، مشيرًا إلى أن إعادة تأهيلها ستعزز الهوية الوطنية وتوفر فرص عمل خاصة في ظل معدلات البطالة المرتفعة في الطفيلة (21.4 وفق دائرة الإحصاءات العامة 2023)، وأكد أحد مالكي البيوت في صنفحة أن هذه المنازل المطلة على الأودية تشكل معالم تراثية يجب إحياؤها بدلاً من تركها مرتعًا للنفايات.

وأوضحت مديرة سياحة الطفيلة خلود الجرابعة، أن السياحة التراثية تمثل ركيزة لدعم القطاع السياحي مشيرة إلى جهود وزارة السياحة في تأهيل قرى مثل السلع والمعطن، وتطوير البيوت حول قلعة الطفيلة مؤكدة أن الحفاظ على التراث مسؤولية مشتركة تعزز الهوية الوطنية وتساهم في الإقتصاد المحلي من خلال جذب السياح وتوفير فرص عمل، حيث أسهمت السياحة في توفير 54 ألف وظيفة في الأردن عام 2024.