في زمنٍ تحوّل فيه الهاتف الذكي إلى امتداد لأيدينا أصبحت الإشعارات الرقمية جزءًا لا يتجزأ من يومنا، فتنبيهات الرسائل وإشعارات التطبيقات وصوت البريد الإلكتروني كل هذه الأصوات الصغيرة التي تبدو بريئة قد تحمل تأثيرات خفية وضاغطة على صحتنا النفسية والجسدية.
تشير دراسات علم الأعصاب إلى أن الإشعارات المتكررة تُحفّز بشكل مباشر إفراز هرمون الكورتيزول، وهو الهرمون المسؤول عن الإستجابة للتوتر في كل مرة نسمع فيها إشعارًا، فيتهيأ الدماغ لإحتمال وجود مهمة جديدة أو رسالة مهمة أو حتى تهديد إجتماعي (مثل تجاهل الآخرين لنا) ما يضع الجسم في حالة "تأهّب مستمر" ومع الوقت يُصبح الدماغ مبرمجًا على القلق والإنتظار حتى في لحظات الصمت.
هذا التوتر المستمر لا يمر دون ثمن فقد يعاني الأفراد من صعوبة في التركيز وضعف جودة النوم وتقلبات مزاجية وتراجع الإنتاجية والأسوأ من ذلك أن كثرة الإشعارات قد تُضعف علاقتنا بأنفسنا، فنفقد الهدوء الذهني ونصبح أسرى لردود الفعل اللحظية.
وتشير الأبحاث إلى أن الأطفال والمراهقون هم الفئة الأكثر تأثرًا حيث أن الدماغ في هذه المرحلة يكون أكثر حساسية للمكافآت السريعة، ما يجعلهم أكثر عرضة للإدمان على التحقق المستمر من الهاتف مما يعزّز التوتر الإجتماعي ومشاعر القلق.
يكمن التوازن في إعادة السيطرة على هواتفنا بدلاً من أن تسيطر علينا حيث يمكن إيقاف الإشعارات غير الضرورية وتخصيص أوقات محددة لتفقد الهاتف، وتفعيل وضع عدم الإزعاج خلال فترات الراحة والنوم، كما أن
قضاء وقت نوعي بعيدًا عن الشاشة خاصة في الطبيعة أو مع العائلة، يساعد على استعادة هدوء الجهاز العصبي.
في النهاية، التكنولوجيا ليست العدو بل طريقة استخدامها هي ما يُحدد أثرها فلنُعد برمجة عاداتنا الرقمية من أجل صحة نفسية أكثر توازنًا وهدوءًا.