الانتماء الوطني ليس مجرد كلمات عابرة تُقال في المناسبات والأعياد بل هو أفعال تُترجم على أرض الواقع من إماطة أصغر ورقة عن الطريق إلى المساهمة في إنشاء المبادرات التي تحافظ على الوطن وتنهض به، هو شعور داخلي يقودك للفخر بأنك ابن هذه الأرض وجذر لشجرة التطوير والتماسك والازدهار.
الانتماء هو الرابط الذي يصل الماضي بالحاضر ويشكّل بطاقة ضمان للمستقبل لكنه في الوقت ذاته مفهوم قد يختلف فهمه من شخص لآخر؛ فهل يدرك الجميع المعنى الحقيقي للانتماء؟ وكيف يمكن لهذا الشعور أن يكون محرّكًا مباشرًا لتطوّر البلاد وازدهارها؟
الانتماء الوطني يستمدّ قوته من جذورنا التاريخية ومن التضحيات التي وقعت على أرضنا ومن الشهداء الذين ارتوت الأرض بدمائهم ويمكن أن يتجلّى الانتماء بالالتزام بالقوانين، كقوانين السير على سبيل المثال؛ فعند المحافظة على الالتزام بها وضبط حركاتنا وأماكن اصطفافنا ما يُسهم في جعل شوارعنا أكثر تنظيمًا ويُسهّل علينا التنقّل ونتجنّب إضاعة الوقت في محاولة إيجاد مكان للاصطفاف أو الخروج من موجة السيارات الهائلة قرب مجمّع المطاعم.
وعند المحافظة على نظافة الكرسي الذي تجلس عليه في الحافلة وعدم الرسم عليه أو تمزيقه أو ترك بقع الطعام والشراب التي سقطت عليه دون مسحها، أو حتى عندما تضع القمامة في مكانها المخصّص وليس في الشارع فإنك بذلك تزرع الانتماء في قلبك وتُسهم في نظافة الوطن ما يؤثر إيجابًا في عدة عوامل منها جمال البيئة وصحة المجتمع وحتى راحة النفس حين نرى محيطنا نظيفًا ومرتبًا.
قيامك بعملك على أتمّ وجه دون تقصير أو تهاون أو غش وسعيك للتعلّم من أخطائك وأخطاء غيرك لتحسين مهاراتك الفردية ينعكس على تطوّر المؤسسة التي تعمل بها فنجاحك ينعكس على نجاح المؤسسة وبالتالي يُسهم في إنشاء قوة جديدة تُطوّر الوطن وتُقدّمه وهذا لا يقتصر على عملك كموظف إنما أيضًا على عِملك كطالب.
فاجتهاد الطالب وحرصه على الفهم والتعلّم، لا لمجرد الحصول على درجات عالية فقط بل لبناء قاعدة معرفية قوية تساعده في حياته العملية مستقبلًا، فالطالب المخلص في دراسته لا يكتفي بالحفظ المؤقت للمعلومات بل يسعى لفهمها وتطبيقها ويبحث عمّا يفيده خارج حدود المنهاج المدرسي لأنه يدرك أن العلم مسؤولية ورسالة.
الانتماء هو أن تشعر بالفخر تجاه كل ما حصل على هذه الأرض من إنجازات في الماضي وأن تشعر بالفخر بسبب التاريخ المشرّف الذي خُطّ من أعلى نقطة على الجبل إلى أخفض بقعة في الأرض، على هذه الأرض التي حملت آثار الرومان ومرّت بها القوافل العربية واحتضنت الثورة العربية الكبرى، الانتماء إنما شعورٌ وطني فريد يربط المواطن الأردني بقيم التضحية والوفاء ويدفعه للمساهمة في بناء مستقبل وطنه.
فالأوطان تُبنى بالولاء والعمل وتنهض بالعقول المخلصة والقلوب الصادقة، والأردن بما يحمله من تاريخ مشرّف وقيادة حكيمة وشعب وفيّ سيبقى نموذجًا للوطن الذي يحتضن أبناءه ويحتضنونه جيلًا بعد جيل.
هذا الإحساس العميق بالانتماء لا يقتصر على لحظات الفخر أو المشاعر التي تتفجّر في المناسبات الوطنية، بل هو التزام يومي يظهر في تفاصيل حياتنا الصغيرة قبل الكبيرة، هو أن نكون العيون الساهرة على أمن الوطن والأيدي التي تبني لا تهدم والعقول التي تفكّر في الحلول لا في المشاكل، أن نكون قدوةً للأجيال القادمة في الصدق والعمل والإخلاص فننقُل لهم قيمة أن الوطن أمانة وأن الحفاظ عليه واجب لا ينتهي بانتهاء يوم أو مناسبة.