في صباحٍ ثقيلٍ على قلب مدينة إربد، سقطت بنايةٌ من أربعة طوابق فجأة دون سابق إنذار، كان السكون يسبق الصرخة، لولا أن الأعين رأت التصدعات، فبادرت الأيادي بإخلاء الأرواح، كانت دقائق الفصل بين النجاة والمأساة، وبين الإهمال والإنقاذ.
لم تسجل خسائر في الأرواح، لكن الخسارة الأعمق كانت في الثقة؛ ثقة الناس بأن ما فوق رؤوسهم آمن، بأن كل طوبة وُضعت بضمير، وكل طابق ارتفع على أساس.
البناية لم تكن مهجورة، بل كانت مأهولة حتى ساعات قليلة سبقت سقوطها، التصدعات لم تكن من العبث، بل كانت فصولًا تُكتب على الجدران بلغةٍ لا يفهمها إلا من يخاف الله في عمله، عُمُر الطابق الأرضي تجاوز الأربعين وفوقه طوابق أضيفت حديثًا على مراحل،
شرفات نمت من الجانبين، دون حساب للوزن أو التوازن تحتها، التربة تصرخ صامتة: أنقذوني قبل أن أبتلع من عليها، كانت أصواتها شقوقًا في الجدران، إنذارات في الزوايا، رجفات في الليل، لكن من يصغي؟ حين يسكت الضمير، تتكلم الأرض.
لم يكن السقوط نتيجة لحظة بل نتيجة سنوات من الغفلة.
من هنا تبدأ الحكاية حين يغيب الإيمان من قلب من يبني، تتهاوى الحجارة مهما اشتد الحديد وحين يُبنى السقف على ربح سريع لا على ضميرٍ صاحٍ، يصبح كل حجر قنبلة مؤجلة.
ما حدث لم يكن مجرد انهيار مبنى، بل انهيار ثقة، وسقوط قيمة، وتجسيد لصوتٍ يجب أن يُسمع: كفى تهاونًا في حياة الناس، كفى إضافة طابق على طابق، دون فحص، دون دراسة، دون رجوع لأصل التربة وجذور الحديد.
كل ساكن نجا سيحمل ذعر تلك اللحظة طويلًا كل من شاهد الركام سيشعر بأن شيئًا في الداخل تهدّم أيضًا.
فلتكن الحادثة بصمة في وجدان كل مهندس، وكل مالك، وكل بنّاء ليس خوفًا من القانون، بل خوفًا من الله لأن البنيان الذي لا يُرفع بخشية، لا يُعمّر.