في فصل الصيف تقترب الشمس من سطح الأرض وتكون حرارتها قوية جدًا فتلتهم بأشعتها ذهب الصيف الجاف وتبدأ الأعشاب اليابسة بالاشتعال وكأن السماء تسكب جمرًا لا شمسًا فتتلوى الأرض من سخونة أنفاسها وتتشقق التربة كأنها تصرخ عطشًا.
تبدأ النار برقصة الجنون؛ شرارة صغيرة تلامس عودًا يابسًا يمكنها أن تمتد كوحش جائع تنهش الأشجار وتلتهم الأعشاب وتحول الجمال الأخضر إلى رمادٍ أسود بلا روح. الهواء يتحول إلى وقود... والرياح تصبح خنجرًا مسنونًا بيد النار تقذف الشرار في كل اتجاه... وكأن الطبيعة تنتقم من صمت الإنسان الطويل تجاهها... لا تُبقي ولا تذر.. تنقضّ على البيوت.. تهاجم الحيوانات.. وتُجبر الطيور على الهروب نحو السماء الملبدة بالدخان.
تحاول فرق الدفاع المدني أن تروّض النيران لكنها تقف في أغلب الأحيان عاجزة أمام غضب الطبيعة.. تقف وكأنها تحارب وحشًا بلا قلب... تصبح محاولات الإطفاء كقطرات في بحر مشتعل، لا تُطفئ لهبًا، ولا تُهدئ غضبًا.
إن حرائق الصيف ليست مجرد ظاهرة موسمية، بل جرس إنذار يُنبهنا إلى خطورة الإهمال ويُذكّرنا بأن الطبيعة لا تُسامح من يخونها فشعلة صغيرة من تلك اللفافة التي تحتوي على تلك المادة السامة التي تدعى السيجارة أو قد تكون زجاجة صغيرة مُهملة تحوّلت إلى مرآة للموت تحت أشعة الصيف أو جمرة باقية من نار ليلة اشتعلت ولم تنم أبدًا… قد تكون الشرارة الأولى لنهاية خضراء كانت تنبض بالحياة.
إن حرائق الصيف وإن بدت لنا مجرد مشهد عابر في نشرات الأخبار تحمل في رمادها قصصًا من فقدان الحياة والجمال والتوازن البيئي.. هي صوت الطبيعة حين تُهمل.. وغضبها حين تُخون... إن الحفاظ على البيئة ليس رفاهية بل واجب لا يقل أهمية عن حماية أرواحنا ومجتمعاتنا فلنكن الوعي الذي يُطفئ الشرارة قبل أن تتحول إلى لهب ولنجعل من كل صيف موسمًا للحياة لا الحداد.