في قلب العاصمة الأردنية عمّان، يقف جبل القلعة شامخًا، كحارس قديم يروي حكايات الحضارات التي مرّت من هنا، وتركَت آثارها على الحجارة، والمعابد، والأعمدة الرومانية، والأسوار المحيطة به.

جبل القلعة ليس مجرد موقع أثري، بل سجلّ مفتوح لتاريخ مدينة عمّان، بل وتاريخ المنطقة بأسرها.

يُعد من أقدم المرتفعات المسكونة في المدينة، ويعود تاريخه إلى أكثر من (7) آلاف عام، وقد شهد تعاقب حضارات متعددة، أبرزها العمّونية، والرومانية، والبيزنطية، والإسلامية.

أحد أبرز معالم جبل القلعة هو معبد هرقل الروماني، الذي تم بناؤه في القرن الثاني الميلادي خلال حكم الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس ولا تزال الأعمدة الرخامية الضخمة للمعبد قائمة حتى اليوم، وتشكل رمزًا للعمارة الرومانية الباذخة، ويحيط بها فضاء مفتوح يطلّ على مدينة عمّان الحديثة، في مشهد يجمع بين القديم والجديد.

وفي الجهة الأخرى من الموقع، يقع القصر الأموي، الذي بُني في القرن الثامن الميلادي، ويُعد من النماذج المعمارية النادرة للقصور

الأموية في الأردن، ورغم تهدم معظم أجزائه بفعل الزلازل، إلا أن بوابته المقببة المهيبة لا تزال تستقبل الزوّار، شاهدة على عراقة العمارة الإسلامية في بداياتها.

ولا يكتمل الحديث عن جبل القلعة دون ذكر الكنيسة البيزنطية التي تعود إلى القرن السادس الميلادي، وقد شُيّدت في موقع استراتيجي يدل على الأهمية الدينية والسياسية لهذا الجبل خلال تلك الحقبة.

كما يحتضن الموقع المتحف الأردني للآثار، الذي يضم قطعًا أثرية نادرة اكتُشفت في مناطق مختلفة من الأردن، ومن أبرزها تماثيل عين غزال الشهيرة، التي تُعد من أقدم التماثيل البشرية المصنوعة في التاريخ، والتي تعود إلى العصر الحجري.

ويشهد جبل القلعة اليوم اهتمامًا متزايدًا من الجهات الرسمية والهيئات السياحية، إذ يتم تطوير المسارات الداخلية، وتحسين البنية التحتية لاستقبال الزوار من داخل الأردن وخارجه، وتقديم جولات تعريفية تسلط الضوء على تاريخ المكان، وتساعد الزائر على فهم السياق التاريخي لكل زاوية في هذا المعلم الفريد.

ورغم مرور القرون، لا يزال جبل القلعة ينبض بالحياة، فهو ليس فقط موقعًا أثريًا صامتًا، بل مركز ثقافي وسياحي يستقطب العائلات، والطلبة، والسياح، والمصورين، وكل من يبحث عن سحر التاريخ وروعة المشهد.