إلى وقت قريب كانت حياة الصقور محاطة بكثير من الغموض والألغاز ، وكانت معظم الدراسات التي أنجزت حول هذه الطيور تقتصر على جوانب محدودة للغاية ولا تجيب على كل التساؤلات ، لكن بعد أبحاث استمرت لعدة سنوات، تمكن العلماء مؤخرا من الوقوف على خصائصها وطباعها التى تجعلها تتميز عن بقية الجوارح الأخرى، وأصبح بالإمكان كشف الكثير من الأسرار التي تلف حياتها.
ورغم أن وزن الصقور لا يتعدى في كثير من الأحوال أكثر من كيلوغرام واحد، إلا أن قدرتها على الفتك بضحيتها تجعلها من أخطر الطيور وأكثرها بثا للرعب فى نفوس الجوارح والحيوانات الصغيرة.
وتعد الصقور من أسرع الكائنات الموجودة على ظهر الأرض , وذلك بفضل سرعته التي تتجاوز 300 كيلومتر في الساعة، وهي تمتاز عن بقية الطيور بمهارتها وقدرتها على رؤية ضحيتها من مسافة خمسة كيلومترات واستخدام تقنيات فريدة فى الحصول على أكلها، إضافة إلى قدرتها على التزاوج في أعالي السماء.
ويعتبر الصقر قناصا بالفطرة و صيادا من الطراز الأول، لدرجة أنه يستطيع أن يقتل بضربة واحدة حيوانات أكبر منه بثلاث مرات... وهذه القدرة الكبيرة على التخلص من الضحية ترجع الى أسلوبه المنفرد فى القنص وطريقته في اختيار الغنيمة، فعندما يخرج الصقر للبحث عن الأكل فإنه يطوي جناحيه الى النصف، ويصعد إلى أعالي مرتفعة جدا ثم يشرع فى تفحص المنطقة التي يطير فوقها بواسطة بصره الحاد وسرعته الفائقة، وعندما يعثر على سرب من الحمام والذى يعتبر طبقه المفضل يلاحقه عن كثب حتى يتمكن من معرفة الحمامة الضعيفة أو المريضة، فيركز إهتمامه عليها وينقض عليها بكل قوة وبشكل عمودي، و لا يترك لها مجالا للإفلات، ذلك أن الصقر يختار الزاوية الميتة من بصر الضحية لإحكام قبضته عليها.
ويختلف الأسلوب الذى يختاره الصقر للهجوم حسب الأجواء التي يحلق فيها وحسب إتجاه الريح... فعندما يكون الصقر على سبيل المثال محلقا فى اتجاه الريح، فإن أسلوبه في التخلص من الضحية يعتمد على مهاجمتها فى الفضاء وضربها بمخالبه الحادة حتى تفارق الحياة، الأمر الذي يسبب لضحيته فى غالب الأحوال صدمة تفقدها كل سبل المقاومة،كما ان عنصر المفاجأة والإرتباك الذي يسيطر على الضحية يتدخل بقوة ليسهل مهمة الصقر.
أما عندما يكون محلقا ضد اتجاه الريح فإنه يكتفي بالإمساك بها بقوة ويتجه بها إلى الأماكن القريبة من المياه، حيث ينظفها من الريش والعظام قبل التهامها.
و رغم هذه القوة الكبيرة التى يتمتع بها الصقر في الحصول على وجبته، إلا أنه ليس من فصيلة الطيور التي تحتاج الى كمية كبيرة من اللحوم، ذلك أن معدل 100 غرام من اللحم كل يوم يوفر له ما يحتاجه من الطاقة ،ولتحقيق هذا الاكتفاء الذاتي فانه لا يتورع عن مهاجمة أي نوع من الطيور يسد رمقه, لكنه في الغالب يفضل طائر الخطاف والأوز والبط البري والطيور الصغيرة والحمام والزرزور.
وتعتبر الصقور من الكائنات الكسولة التي لا تهتم بمسكن صغارها، فهى لا تكلف نفسها عناء البحث عن مكان مناسب لذلك وتكتفي بإحتلال عش مهجور لتضع فيه بيضها، أو تتركه في الغالب بين الصخور فى مكان مرتفع,هذه العملية تتم عادة في شهر اذار، الذي يعتبر بالنسبة للصقور شهر التفقيس، حيث تضع أنثى الصقر ما بين بيضتين وست بيضات ، وبعد مرور 28 يوما أو شهر على أبعد تقدير، ترى الصقور الصغيرة النور، وتظل مدة شهرين فى رعاية الوالدين.. خلال هذه الفترة الزمنية تقوم الصقور بتقاسم أعباء الحياة العائلية ومسؤولية العناية بالصقور الصغيرة، وهي خاصية نجدها عند كثير من الطيور، لكن الوضع يختلف بعض الشئ في عالم الصقور، ذلك أن الأنثى هى التي تقوم بإنجاز الواجبات العائلية، وهي التي تملك كل الصلاحيات لكي ترغم الذكر على إنجاز المطلوب منه، وعلى جلب القدر الكافي من الطعام، وعندما لا يقوم الذكر بهذه المهمة على أكمل وجه، فإن الأنثى تطلق صراخا قويا كتعبير عن السخط والإحتجاج، أما هي فإنها تكتفي بتقطيع الوجبات التي يحضرها الذكر الى أجزاء صغيرة وتنظفها من الريش لإطعام الصقور الصغيرة.
بعد مرور أربعين يوما تبدأ الصقور الصغيرة دروسها الأولى لتعلم فن الطيران، وذلك بمساعدة الصقور البالغة التي تستمر في رعايتها لمدة شهر آخر... بعد انقضاء هذه الفترة الزمنية تصبح الصقور قادرة على الاستقلال بنفسها والابتعاد عن العش الذي تربت فيه، لتبدأ بذلك حياتها المستقلة، ومصيرها المجهول.