هل تساءلت يومًا كيف تمكن المصريون القدماء من تشييد الأهرامات بهذه الدقة العجيبة؟ كيف استطاعوا بناء صروحٍ ضخمة استمرت آلاف السنين، متحدية الزمن والكوارث الطبيعية؟
برع المصريون منذ القدم في بناء المقابر، وكانت البداية مع شكل المصطبة البسيط، حتى تطورت لتصبح أهرامات شامخة لا تزال تبهر العالم حتى اليوم.
تزايدت رغبة ملوك الفراعنة في تخليد أنفسهم ورفع مكانتهم أحياءً وأموات، مكانة الفراعنة حيث ترجمت هذه الفكرة من خلال بناء مقابر ضخمة، إذ قام أحد فراعنة الأسرة الثالثة ويدعى الملك زوسر، ليطلب مقبرة تليق بعظمته، وهنا ظهر العبقري إمحوتب، مستشار زوسر وأحد أعظم المعماريين في التاريخ المصري القديم، فقد قرر إمحوتب تطوير المصطبة التقليدية إلى شكل أكثر تعقيدًا وضخامة، فقام بتصميم أول هرم مدرج في التاريخ، وهو هرم زوسر في سقارة، إذ بلغت مساحة هذا البناء المذهل حوالي 4000 متر مربع، مما يجعله أضخم مقبرة بُنيت في ذلك العصر.
بدأت المقابر المصرية على هيئة مصاطب، وهي منصات مستطيلة الشكل تُبنى فوق الأرض لحماية جسد المتوفى. لكن مع مرور الزمن، لم يقتصر عمل المعماري المصري على تشييد الجدران فقط، بل امتد ليشمل تصميم الفراغات داخل هذه المصاطب، بحيث أصبحت وكأنها "شقة" مجهزة للحياة الأخرى، وكانت هذه الفراغات تحتوي على غرف وممرات مخصصة لحفظ ممتلكات المتوفى، وفقًا لمعتقداتهم الدينية حول البعث والحياة بعد الموت.
"المعماري المصري.. فطرة وإبداع"
إن فن العمارة عند المصريين القدماء لم يكن مجرد تشييد حجارة فوق بعضها؛ بل كان علمًا متكاملًا، يعكس فهمهم العميق للهندسة، والفراغ، والرمزية الدينية.
وصف المعماري المصري الشهير حسن فتحي المصريين القدماء بأنهم "معماريون بالفطرة"، ولم يكن ذلك من فراغ، فالمعماري الحقيقي لا يقتصر دوره على وضع الجدران أو تزيينها؛ بل يمتد ليشمل تصميم الفراغات بينها، مما يخلق تجربة معمارية متكاملة، وهذا ما أتقنه المصريون القدماء ببراعة، حيث لم تكن مقابرهم مجرد أماكن للدفن، بل تحفًا فنية وهندسية تحمل دلالات روحية ومعمارية عظيمة.
لقد كان بناء الأهرامات والمقابر لدى المصريين القدماء عملية إبداعية متكاملة، تعكس مدى تطورهم الهندسي والمعرفي من المصطبة البسيطة إلى الأهرامات المهيبة.
نجح المعماريون المصريون في ترك بصمة خالدة في تاريخ الهندسة. هل يمكننا اليوم رغم التطور التكنولوجي، أن نبني شيئًا يستمر آلاف السنين كما فعلوا؟