كانت الأندلس الواقعة في شبه الجزيرة الإيبيرية من أعظم الحضارات الإسلامية التي شهدها التاريخ.. حكمها المسلمون منذ عام 711م عندما قاد طارق بن زياد جيوش الفتح وازدهرت تحت راية الخلافة الأموية في قرطبة ثم ممالك الطوائف حتى وصلت ذروة تألّقها في عهد مملكة غرناطة.
امتدّت الأندلس لقرونٍ كجسرٍ للحضارات جمعت بين العلوم والفنون والهندسة والآداب وقدّمت للعالم أعظم النماذج في التعايش بين الأديان والثقافات.
كانت مدنها مثل قرطبة وإشبيلية وغرناطة مراكز إشعاع معرفي وحضاري أنجبت العلماء والمفكّرين واحتضنت الجامعات والمكتبات وبلغت قمّة ازدهارها في العصور الوسطى بينما كانت أوروبا تغطّ في سباتٍ حضاري.
وفي قلب هذه الحضارة تلمع مدينة غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس التي سقطت عام 1492م لتُطوى صفحة من المجد والبهاء لكن آثارها ما تزال تروي قصة عظيمة حتى اليوم.
تُعدّ غرناطة من أبرز المعالم السياحية في إسبانيا إذ تجمع بين الجمال الطبيعي والتاريخ العريق وتستقطب الزوّار من كل أنحاء العالم.. ومن أبرز معالمها السياحية قصر الحمراء الذي يُعدّ تحفةً معماريةً إسلاميةً نادرة شُيّد بأروع الزخارف والخطوط العربية على الجدران والمشربيات والأقواس الدقيقة ويطلّ على مشهد بانورامي يخطف الأنفاس فوق جبال سييرا نيفادا.
قصر الحمراء لا يمثّل وجهةً سياحية فقط، بل ذاكرة نابضة بتاريخٍ إسلاميٍّ عريق ترك بصمته على العمارة والفنون الأوروبية ويعكس روعة الذوق الأندلسي وجمالية التناغم بين الإنسان والطبيعة.
إلى جانبه، يوجد حيّ البيازين العريق بأزقّته الضيّقة وبيوته البيضاء حيث تتردّد أصداء التاريخ ويستشعر الزائر عبق الأندلس وأصوات الماضي التي لم تخفت.. أما الكاتدرائية الملكية وقصر جنة العريف فهما أيضًا من المعالم التي تجسّد تناقضات التاريخ لكنها تحافظ على ملامح الحضارة الأندلسية بطريقة مدهشة.
في غرناطة اليوم يمتزج الحاضر بالماضي وتبقى المدينة رمزًا لصمود الثقافة والهوية ومزارًا لمن يريد أن يسمع همسات التاريخ ويرى بعينيه كيف صاغت حضارة الإسلام مشهدًا خالدًا في قلب أوروبا.